«بعد شهرٍ يلتقي كل الملوك.. بكل انواع الملوك من العقيد الى العميد ليبحثوا خطر اليهود على وجود الله.. أما الآن فالاحوال هادئة تماماً مثلما كانت.. وإن الموت يأتينا بكل سلاحه الجوي والبحري والبري..

مليون انفجارٍ في المدينة» هكذا أنشد محمود درويش قصيدته الخالدة «مديح الظل العالي» عندما حوصرت بيروت في ايلول عام 1982. وها هي الدنيا تعاود الكرة مرةً اخرى بعد اثنين واربعين عاماً لنشهد حرباً اخرى على لبنان مع توغل بري للعدو الصهيوني في نهايات ايلول 2024.

وفي ظل سكوت تام ليس للحكومات العربية والاسلامية التي فشلت في وضع حد لحرب غزة فحسب، بل نرى تراجعاً اجتماعياً في الوقوف لمرةٍ واحدة في التاريخ موقفاً مشرفاً ليقولوا: لا. هذه ال «لا» العصية على النسيان في دفاتر التاريخ، هذه اللا التي تفصل بين الحرية والعبودية، فكم نسينا أن نقول لا وكم قلنا نعم..

التاريخ محكمة طويلة، كلٌ سيسجل فيه افادته وينتظر الحكم. والتاريخ سوف ينسى اصحاب المواقف المطاطية، سوف ينسى الملوك والرؤساء وامراء الحروب هذا إن لم يلعنهم في محكمته، وفي الوقت ذاته سيذكر التاريخ ذلك الرجل اللبناني الذي قال للصهيوني بعد أن اتصل به الاخير ليحذره من أن بعد دقائق سوف يفجرون منزله فأجابه : « هذه ارضنا ما نخرج منها، انتم لستم اقوى من الله»، وسوف يذكر التاريخ وائل الدحدوح حينما اخبروه باستشهاد عائلته فقال: «معلش، بيحاربونا بالاطفال». ولا ينسى التاريخ أن في هذه الارض رجال حاربوا الدبابات بالحجارة والعصي، ولن ينسى التاريخ أهل الشهداء الذي وقفوا بكل صمود ينعون ابنائهم وآبائهم واحفادهم واخوتهم وكأنهم لم يمروا بفاجعة. وهذا التاريخ الحساس جداً لن ينسى قطرة دم واحد سالت من نحر طفل في فلسطين ولبنان.

« لا تاريخ الا ما يؤرخه رحيلك في انهياري.. قلنا لبيروت القصيدة كلها.. قلنا لمنتصف النهارِ.. بيروت قلعتنا.. بيروت دمعتنا ومفتاحٌ لهذا البحر.. كُنّا نقطة التكوين».

لا شيء سيحدث سوى بيانات استنكار وشجب وسوف يتم تمييع القضية وتصبح مزاداً للتسويات السياسية، وسيجتمع مجلس الامن الدولي والامم المتحدة وجميع منظمات العالم ليقرروا مصير هذه المنطقة الجغرافية ويعيدوا  رسم الصراعات التي يُراد لها أن تبقى دائمة، وسوف تعلن هذه المجالس ايضا ذهاب الحكام والملوك والزعماء الى مزابل التاريخ والذاكرة، وتبقى جروحنا خالدة في التاريخ…

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *