قرأت ما كتبه الدكتور علي المؤمن مؤخرا بعنوان:
الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي من الذي طبع الآخر بطابعه؟
فوجدتها مقالة مهمة جدا وعلى غاية من الخطورة ..
لأنها تحلل الواقع الاجتماعي بطريقة علمية ذكية .. وتحل كثيرا من الالغاز المعقدة في تجمعات أهل العراق …
فمن ذلك معادلة التضاد بين العراقي والمستعرق ، وهي معادلة قد أرجع للكتابة عنها في مناسبة أخرى لأهميتها، ولكني فضلت أن أبدأ الحديث عن معادلة التشاكل بين تشيع العراق وتعرق الشيعة ..
ونجد أن الدكتور المؤمن قد استقرأ الطبيعتين الاجتماعيتين للعراقيين عبر التقاط أهم أسرار حركتهم الاجتماعية منذ القدم وعبر العصور مما هو متوافر في المصادر، وللشيعة منذ نشأة التشيع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإذ يقرر الدكتور المؤمن أنه: (في العراق، وتحديداً في الكوفة وبغداد والنجف؛ نشأ النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي) فإنه ينتقل من ذلك الى الكشف (كيف انعكست الطبيعة العراقية على السلوك الشيعي العام وكيف كان التأثير والتأثر بين التشيع ومسارات نشوء الشيعة واجتماعهم ومن الذي طبع الآخر بطابعه بشكل أكبر) ويتضح من كلامه الدقيق أنه ( كانت التأثيرات الاجتماعية العراقية ومناخاتها في السلوك الشيعي أكبر من تأثير التشيع في طبيعة المجتمع العراقي) مقررا بوضوح أن (سر التماهي والتشابك والتفاعل بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي، لايتعلق بالتشيع والشيعة وحسب، بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي البيئة السومرية البابلية للفرات الأوسط والجنوب، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض والمقموع) ويواصل الدكتور المؤمن حديثه بهذا الصدد ليقول: ( فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني) وهذا عنده ما فتح المجال (لتأثير البيئة العراقية في المسار الشيعي، وبلورتها طابع الرفض والمعارضة فيه). وتكمن الخطورة في هذا التشخيص في أن التشيع صار مطواعا للطبيعة المتقلبة للعراقيين ولم ينضبط العراقيون على ضابطة التشيع الثابتة المسار خلف إمامهم الذي يفترض أنهم يشايعونه وهذا ما أجده على مستويي التنظير والتطبيق إذ(أن الاجتماع الديني الشيعي، بصيغه المحلية والعالمية، هو نتاج تفاعل البيئة العراقية الأصلية واجتماعها وسلوكياتها، مع مسارات نشوء التشيع ) ويبقى سؤال مهم عندي للغاية :
لماذا غلبت عرقنة الشيعة على تشيع العراق؟ ..
على أن هذا واضح جدا في بيانات أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة وأحاديث من تبعه من الأئمة عليهم السلام؟ ..
وهذا يؤدي بنا بدوره الى سؤال آخر:
ماذا لو غلب التشيع على العرقنة هل كنا سنجد طباعا تتسم بالطاعة للمعصوم والنصرة له على المدى الاجتماعي الغالب بدلا من العصيان والخذلان ؟ ..
أي هل كان ممكنا أن واقعة الطف لا تقع كما هي لو تشيع العراقيون ؟ ولكان النصر حليفا للإمام الحسين عليه السلام؟ وأنها وقعت بدموية صارخة ضد أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله بسبب تعرق الشيعة؟ ..
أهل التأريخ يدور معظمهم في فلك الدورة التاريخية(التاريخ يعيد نفسه) ولكني أبحث عن الدائرة المعرفية فالمعرفة هي التي تنتج حركة التأريخ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام لكميل بن زياد: (ما من حركة إلا وأنت محتاج معها الى معرفة .. خذ عنا تكن منا).. فإن حركة التأريخ الدائرية سببها المعرفة الدائرية .. هكذا نجد تفسير التأريخ عند أمير المؤمنين عليه السلام.. وإن عقائد فاسدة تنتج أكثر من معاوية وأكثر من حجاج إذا تكررت .. (كيفما تكونوا يولَّ عليكم) .. ولذلك أعتقد أن العقيدة إذا كانت سليمة يمكن تصويب حركة التأريخ .. وهكذا أقرأ الظهور الشريف .. (أين هادم أبنية الشرك والنفاق) .. فهو يهدم العقائد والمعارف المنحرفة ليشيد بدلا منها صالحة .. ولذا فإني أميل الى ضرورة تشييع العراق كاستراتيجية ضرورة وجودية للعراق .. والتقليل من أثر عرقنة التشيع .. ولمن يقرأ كتابات الدكتور المؤمن سيجد بسطا شافيا لطبائع الاجتماع العراقي التي غلبت على التشيع وحولته عن مساره من النصرة الى الخذلان كما تشهد بذلك بيانات أهل البيت عليهم السلام ووقائع التأريخ.
وعلى أية حال فهذا ما سيفعله الإمام المنتظر عليه السلام .. وكل حركة مخالفة لحركته مصيرها الهدم ..
وللحديث بقية.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *