في الوقت الذي يتجول فيه الرئيس الإيراني بكل أريحية بين محافظات العراق، ويتنقل بين مقدساتها وكأنما العراق قد أصبح حديقة خلفية لإيران، نرى في المقابل أن المفكر العراقي السيد كمال الحيدري يقبع خلف القضبان في إيران نفسها، فقط لأنه تجرأ على قول كلمة حق. يا للعجب! الرئيس الإيراني ضيف مُكرّم في بلادنا، بينما أحد أبرز علمائنا ومفكرينا يُعتقل في بلاده. هل هذا هو العدل الذي تدّعيه العلاقات “الأخوية” بين البلدين؟ أم أن هذه الزيارات المليئة بالابتسامات الدبلوماسية تخفي وراءها ازدواجية في المعايير لا يمكن السكوت عنها؟

إن السيد كمال الحيدري ليس مجرد عالم دين تقليدي، بل هو رمز للفكر الحر والشجاعة في زمن يسيطر فيه الجهل والتبعية. برامجه التلفزيونية على قناة الكوثر كانت وما تزال منبراً للتنوير،ش حيث يتناول القضايا الدينية والاجتماعية بحكمة وتبصر. إنه رجل لم يخشَ مواجهة الحقائق، ولم يتردد في التعبير عن آرائه التي لا تتماشى مع الأجندات المصلحية الضيقة، سواء داخل إيران أو خارجها. فبدلاً من تكريمه على جهوده في نشر الحقيقة، يتم احتجازه بظلم وبلا مبرر، وكأن حرية التعبير أصبحت جريمة يُعاقب عليها المفكرون.

وهنا نتساءل: لماذا لا نرى ذات الحفاوة والإكرام التي ينالها الرئيس الإيراني تُمنح لرجل عراقي بحجم الحيدري؟ ألا يستحق هذا المفكر العراقي العظيم نفس الاحترام الذي يُعطى لقادة الدول في بلادنا؟ أم أن هناك أشياء خلف الكواليس تحكم هذا التناقض الفاضح؟

ما يحدث اليوم في إيران ليس سوى صورة فاضحة لما يحدث عندما تسيطر الأنظمة على العقول وتحاول إسكات كل من يرفض السير في الركب. احتجاز السيد كمال الحيدري هو دليل آخر على أن إيران لا تتحمل أي صوت يعارض توجهاتها أو يفضح زيف إدعاءاتها. السيد الحيدري كان دائماً واضحاً في مواقفه، لم يكن يوماً منافقاً ولا باحثاً عن المصلحة الشخصية، بل كان رجلاً يبحث عن الحقيقة. وهذا ما أغاظ الكثيرين وجعلهم يسعون لتصفية حساباتهم معه. ما هي التهمة التي وجهت إليه؟ هل هي قول الحق؟ أم جرأته في مواجهة التيارات الفكرية التي تسعى لتدجين العقول؟

وفي هذه الأثناء، الرئيس الإيراني يتجول بحرية في العراق، يزور المدن ويُحيي العلاقات، بينما المفكر العراقي يتعرض للإذلال على أرض إيران. يبدو أن التهم في هذا العالم أصبحت تُعطى حسب الأهواء، فمن يقول الحقيقة يُعاقب، ومن يمارس الابتزاز السياسي يُكرّم.

لكن ما يزيد الطين بلة، هو الصمت المطبق من قبل الحكومة العراقية. كيف يمكن للعراق، الذي يفتخر بأبنائه من العلماء والمفكرين، أن يقف متفرجاً على احتجاز أحد رموزه الفكرية في دولة أخرى؟ أليس من واجب الحكومة العراقية أن تتدخل فوراً وتستخدم كافة وسائلها الدبلوماسية للإفراج عن السيد كمال الحيدري؟ أين الإعلام العراقي من هذه القضية؟ لماذا لا نسمع صوتاً واحداً ينادي بحريته؟ هل أصبحت المصالح السياسية فوق المبادئ الإنسانية؟ وهل يعقل أن تُخنق حرية الكلمة في ظل هذا الصمت المخزي؟

وفي هذا السياق، ألا يُشعر هذا الصمت بالعار عندما نرى الرئيس الإيراني يتجول بحرية في بلادنا ويُقابل بالتكريم والاحتفاء؟ ألا يجدر بالحكومة العراقية أن تُذكره، ولو تلميحاً، بأن هناك مفكراً عراقياً محتجزاً في بلاده ويحتاج إلى الإفراج عنه؟ أو ربما نحن مشغولون بإعداد الولائم والاحتفالات ولا وقت لدينا للوقوف أمام هذا الظلم.

إن ما يثير السخرية هو التعامل المزدوج الذي نشهده تجاه إيران. بينما يندد العالم بانتهاكات حقوق الإنسان في دول معينة، يتم الصمت التام أمام ما تفعله إيران، وكأنها دولة فوق القانون. لماذا يتم التغاضي عن هذا الظلم الفادح؟ لماذا يتم تجاهل قمعها لأصحاب الفكر الحر والشجعان مثل السيد كمال الحيدري؟ أم أن هناك حسابات سياسية خفية تجعل البعض يغض الطرف عن انتهاكاتها السافرة؟

أليس من المضحك أن نحتفي برئيس نظام يمارس مثل هذا القمع ضد مفكرينا، ونفتح له أبواب مدننا بينما يغلقون على السيد الحيدري في زنزانة لا نعلم إن كانت ستفتح قريباً؟ يبدو أن المصالح السياسية أصبحت مقدسة أكثر من المبادئ الإنسانية.

إننا في هذا المقال نوجه نداءً عاجلاً إلى جميع المثقفين، الأكاديميين، علماء الدين، وأصحاب الضمائر الحية في العراق. لا يجوز أن نبقى صامتين أمام هذا الظلم البين. السيد كمال الحيدري هو رمز للعقل والفكر، وصمته ليس انتصاراً للحق بل انتصاراً للظلم والاستبداد. علينا أن نرفع أصواتنا ونطالب بإطلاق سراحه فوراً. إن السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للمبادئ التي ننادي بها. يجب أن نتحرك قبل أن يصبح العالم مكاناً لا يتسع إلا للمتملقين والمنافقين.

ففي النهاية، لن نسمح بأن يكون اعتقال السيد كمال الحيدري مجرد صفحة تُطوى في تاريخ النسيان. حريته هي قضيتنا جميعاً، والدفاع عن فكره وشجاعته هو واجب على كل إنسان يؤمن بحرية الفكر والكلمة. حان الوقت للتحرك، وليس لدينا رفاهية الانتظار أكثر، فبينما يحتفل الرئيس الإيراني في بلادنا، يجب أن نحتفل نحن بالإفراج عن أحد أعظم مفكرينا.

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *