التقيت بصديقة للمرة الثانية عند زيارتي الثانية للدنمارك إلتقيتها مستبشرة وجهها يشع نوراً وألقاً البسمة. بل الضحكة لا تفارق شفتيها ..سألتني(بعدج تشتغلين بالاعلام) قلت نعم،، لماذا ؟. قالت عندي لك قصة جميلة.. كنت حينها مدعوّةفي مطعم مع بعض الصديقات، طلبت ان ننفرد انفردنا لوحدنا. كي تقص عليَّ قصتها( طبعا ضحكتها لا تفارقها) عن حب ٍ قصته عجيبة وغريبة في زمننا الاغبر ،، في زمن لم يكن للحب مساحة نقاء وصدق وعدل، ايعقل ان يلتقيان بعد ستين عاماً!؟
عائلة ارستقراطية
ويقررا الزواج وهما تعدّوا الثمانين من عمريهما ، كانت فاتن من عائلة ثرية ارستقراطية والدها يملك. المزارع. والاطيان وكان رئيس عشائر في إحدى محافظات العراق عام 1952 كانت فاتن فتاة جميلة مثقفة جداً تحمل من الرقيِّ والاخلاق العالية فقد تربت في ظل عائلة مثقفة وكانت تهوى المطالعة وقراءة الكتب بشكل كبير،، وكان يعمل في مزارع والدها شاب فلاح يهوى المطالعة وغالباً ما ينزوي في مكان من المزرعة ليقرأ كتاباً ويطالع دروسه وكانت الفتاة تراقبه عن بعد بصورة خفية ،، دون علمه طبعاً لان. العادات والتقاليد. لا تسمح ، ،، أحبته بشكل. كبير وهو ايضاً يبادلها النظرات من بعيد وبصمت وكانا يتبادلان الكتب فيما بينهما ،، وكانت.
اختها الصغرى (ساعي البريد) بينهما فكانت فاتن حين تقرأ كتاباً تضع علامة أو إشارة تحت الكلمة المراد ايصالها للشاب الفلاح ،،وغالباً كانت تضع وردة او ريشة طاووس ملونة بين طيات الكتاب المتبادل بينهما …. كبر. الحب النقي الصامت … علماً ان فاتن كانت محط انظار شباب المنطقة لجمالها. وادبها وثقافتها لكنها رفضت العديد من الخطّاب ،، إستمر هذا الوضع من عام 1952 الى عام 1958 .. حين حدث مالم. يكن. بالحسبان عندما قرر والدها الزواج من امرأة أخرى على والدتها ،، وكانت سيئة الصيت .. فتركت والدتها البيت واخذت بناتها وسافرت الى بلدة اخرى،،. محافظة عراقية اخرى …انقطعت اخبار. الشاب الفلاح ومرت السنين مثقلة،، ..استسلمت فاتن للامر .. وتخرجت واشتغلت في احدى دوائر الدولة..في عام 1962 تزوجت فاتن من رجل كان في نفس الدائرة وانجبت ولداً وبنتاً وعاشت حياتها كأي امرأة عراقية تهتم ببيتها وزوجها وتعتني بأبنائها …توفي زوجها،، عانت ما عانت بتربية ابنتها (مريضة بالعوق ) وكرست. الام حياتها للاعتناء بأبنتها فهاجرت الى اوروبا لتعالج ابنتها وفي عام 2018 حدثت المفاجأة والدهشة والانبهار وكانت صدفة خير من ألف ميعاد بل أغرب واروع صدفة،، حيث كانت الاخت الصغرى لفاتن( المرسال) لديها صفحة. على الفيسبوك طلب صداقتها شاب ودار بينهما تعارف واسئلة وتبين بعدها انه ابن الفلاح ابن الحبيب الوسيم حبيب فاتن قبل ستين عاماً من 1958 الى 2018 الولد الشاب سأل والده ان كان في شبابه يحب فتاة اسمها فاتن ومن عائلة. كذا وكذا نهض الاب بدهشة واستغراب ولم يصدق ما سمعه بأن حبيبته مازالت موجودة واختها تتحدث الان مع ابنه فطلب من ابنه ان يعطيها رقم هاتفه.. ووصل الرقم الى يد الحبيبة فاتن..
هنا تقول فاتن ترددت كثيرا. في الاتصال وبقيت اربعة. ايام بين الدهشة والحيرة والخوف وكلما هممت بالاتصال ينتابني رعب. وخوف ونبض قلبي يزداد سرعة ،،،، رغم السنين التي مرت هل يعقل ذلك ؟! وهل يتحمل قلبي الضعيف حباً بعد طول غياب؟!
زمن طويل
تقول تشجعت وتجرأت بين قلق وخوف واتصلت بالرقم وجائها الجواب من حبيبها ،، فكانت مكالمة طويلة تبادلنا الذكريات الاليمة وعلمتُ ان. زوجته توفيت منذ زمن طويل. ويعيش مع اولاده وبنتين من بناته استشهدتا على يد الامريكان اثناء الحرب الاخيرة… تبادلا الاحاديث والذكريات واتفقا ان يلتقيان في بلد غريب ليتقدم لخطبتها. من ابنها وبنتها .. لقاء العمر،،، لقاء الحب ،،، بعد سن الثمانين واكثر من ثمانين عاماً ،، وقالت من شدة فرحي ارتفع الضغط عندي وخفقان بالقلب بصورة مخيفة وقالت ان حبيبها ايضاً تعرض لوعكة صحية ونقل للمشفى واجرى عملية قسطرة وطمنه الاطباء ان قلبه سليم لكن الحب. اكبر واوسع من قلبه والمفاجأة كانت كبيرة. جداً فلم يتحمل الفرحة ،، وفي تركيا التقيا
فتم عقد القران ورجع كل الى بلده على امل لم الشمل ليعيش معها في الدنمارك ،، وطالت الاجراءات لكنهما كانا يلتقيان بين فترة وأخرى في تركيا وفي عام 2021. اصيبت الحبيبة فاتن بمرض الكورونا وماتت ،،، بعد معاناة ومسيرة حياة طويلة عريضة من المصائب والتغرب
وبقي الحبيب في بلده دونها…رحمها الله وأسكنها فسيح جناته …كانت بحق إمرأة مكافحة صابرة صامدة….لحد الان احتفظ برسائلها في الواتساب….