تذكّرني الدموع الحارة في عيون البريطانيين يوم صدمتهم بوفاة ملكتهم ذات الشعبية الواسعة اليزابيث الثانية، بالدموع التي ذرفها الأردنيون على ملكهم الراحل حسين بن طلال في يوم وفاته، وقد شهدت الحدثين، في الخميس الحزين في لندن، وكذلك حين كنت في العاصمة الاردنية عمّان في ٧ شباط العام ٩٩٩١
وجه الشبه كبير بين الراحلين، الملكة البريطانية والملك الأردني، من جهة أطول فترة يحكمها ملك، لكليهما في بلاده، فقد حكمت الملكة الراحلة سبعين عاماً، في حين حكمَ حسين بن طلال ستة وأربعين عاماً. وكانا متعايشين في فترة تاريخية متقاربة جداً، اذ اعتلت الملكة العرش البريطاني في شباط ٢٥٩١ في حين تسلم الملك الأردني الحكم في ٣٥٩١
اليزابيث الثانية تولّت بعزم إعادة بناء المملكة المتحدة بعد الصدمة الكبرى التي أصابت بلادها جراء الحرب العالمية الثانية، وواصلت ذلك حتى قبل يومين من رحيلها حين أعطت مباركتها في لقاء خاص الى ليز تراس الرئيسة الخامسة عشرة للحكومة البريطانية في عهدها. وشهدت الملكة مختلف أنواع الحقب السياسية ذات التقلبات الكبرى كالحروب والتحديات الاقتصادية والحرب الباردة والاندماج بأوروبا ثم الانفصال عنها، وكانت مرجعية لا غنى عنها في الحسم، برغم من انها لا تظهر في المشهد السياسي المنوط فعلياً للحكومات ومجلس العموم.
وقد شهدت مواطنين بريطانيين اليوم في لندن، يقولون لشدة حزنهم، انهم لا يعرفون كيف ستكون الحياة من دون الملكة التي رافقت حياة اجدادهم وآبائهم، ولا يعرفون عنوانا سواها لبلادهم، لطول فترة حكمها. لكنها دورة الحياة المستمرة، والملك الجديد تشارلز الثالث يعرفه الناس وسيفتح صفحة للحياة تنسي الناس الحزن، كقانون ازلي.
والأردنيون، في يوم وفاة الملك حسين، كنت أسمعهم يقولون انّ كل حجر في بناء وأي زرع في ارض كان يقف وراءه الملك الهاشمي الراحل، فقد بنى حسين بن طلال الأردن الحديث، برغم ما واجهه على نحو متكرر من ويلات الحروب وموجات الهجرة واللاجئين والضنك الاقتصادي، وكان همّه الاكبر ان تبقى سفينة الأردن قادرة على عبور هذه البحار الهوج حوله، وقد نجح في مسعاه في مجمل المسيرة، حتى سلّم الراية ، واقفاً برغم شدة مرضه ، كأية راية هاشمية سامقة الى الملك عبدالله الثاني، فهدأت النفوس الحزينة، واطمأنت في رعاية قائد العهد الأردني ،المتواصل والجديد.