من الصعب الحديث عن الشعر[ الفرنسي ] المعاصر بسبب حداثة المنجز وعدم تخلصه بعد من الشوائب ، وكثافة التعاريف وسعة مجالاتها ، وهذا ما يحدد جاذبيته : اكتشاف شاعر ، صنع ذوق خاص ، الا ندهاش لهذا النص او ذاك . هذا التنوع لن يمنع من بحث أو تعريف أو ، على الاقل ، تحليل الشعر المعاصر . ومن ثمة كانت أهداف هذه المدونة تحديدا التعرف على هذا العالم الذي ظل مجهولا من طرف جمهور عريض .
لذلك أقترح عليكم اليوم بعضا من اتجاهاته :

في الحقيقة هناك عدة اتجاهات في الشعر الفرنسي المعاصر تعود إلى زمن أبعد من المعاصر [بالمعنى الحرفي للكلمة ] يتعلق الأمر باتجاهات المضمون التي كيفها الشعراء المعاصرون مع الواقع الراهن .

الوضوح النقدي :
_____________

دون الزعم بإمكانية تحديد ما يمكن أن يكون صالحا لمجموع الشعر المعاصر اعتقد ، بالرغم من كل شيء ،أن كثيرا من الشعراء المعاصرين يؤيدون تصريح ( شارل بودلير ) الذي بموجبه ( كل الشعراء الكبار يصبحون طبيعيا وحتميا نقادا )
بما أن بعض الشعراء اختاروا أدبا طلائعيا أو طالبوا _ على العكس من ذلك _ ببعض الغنائية _ لان نفس خط التقاسم الغالب والمطلوب بين الاتجاهين من البقية أصبح ضعيفا ومهلهلا لوصف التعقيد في الحقل الشعري المعاصر _ يَبدُون بالفعل واعين باختياراتهم الشعرية ، واعين أيضا بالنماذج التي يرومونها ومتمكنين ليس فقط من الشعر المعاصر فحسب بل وأيضا من الشعر الكلاسيكي وليس من[ الشعر الفرنسي ] فقط بل وأيضا من [ الشعر ] الأجنبي .
شعراء مثل( فيليب جاكوتي ) أو ( فرانسوا جاكمان ) أيضا يبدوان أكثر حذرا من بساطة الكتابة والكلام المكرور ،و من كل ما يهدد اللغة الشعرية من أن تكون أكثر صدقا
وهكذا فإن الشعر المعاصر موسوم على الأقل بتحفظ تجاه الزخرفة اللغوية ، الاستعارات ، والمحسنات البلاغية ،باختصار ، تجاه كل المؤثرات الخاصة ،[ التي ] يتم رفضها أحيانا بدعوى خلقها كثيرا من التعتيم ولا تسمح بالوصول إلى الأهم .

قلت ” على الأقل ” لأن هذا الرفض تحديدا لم يكن عاما عند كل الشعراء ويظهر بطريقة جد متفاوتة حيث كان ثمة في فترة السبعينات رفضٌ قوي للغنائية التقليدية ،للذاتية ، للاستعارة . لكن اليوم تمت العودة إلى كل ذلك على نطاق واسع . بيد أنه كما يبدو لي أن معظم الشعراء يميلون إلى أن الشعر لم يوجد دائما لخلق الدهشة فقط .
إن السياق التاريخي يفسر على الأقل في جزء منه هذا الرفض : إذا كانت السريالية تدفع في اتجاه الهروب ، في اتجاه الحلم .فإن الأمرأصبح أكثر صعوبة للحفاظ على نفس النهج بعد الحرب العالمية : لقد أصبح من السخيف التظاهر بان شيئا لم يحدث ، والاستمرار في التلذذ بالاكتشافات اللغوية الغرائبية دون الاهتمام بمعاناة العالم .

تعدد الأشكال والإلهام :
___________________________

من وجهة نظر شكلية ، يتميز الشعر بتعددية كبيرة جدا . البيت الشعري ، السطر الشعري الحر ، المقطع ، [ قصيدة ] النثر ، الشذرة . اليوميات
، سرد ، هايكو ….. وعلى العموم فقد تم التخلي عن البيت الشعري التقليدي الصارم . [ لكن ] هذا لا يمنع من أن نبحث بالتالي في التراث لاقتراح نسخ تنزاح قليلا عن الأشكال الثابتة ، أو على العكس من ذلك رفض كل الأشكال التقليدية .

على سبيل المثال شاعر مثل ( جان ييڤ ماصون ) يكتب[ نصوصا ] من أحد عشر مقطعا أو من تسعة مقاطع حتى إن اسمها يعود إلى تقليد قديم ، لكن تحت شكل غير مسبوق . فاذا كان يكتب على بحر (الاليكزاندان) Alexandrin فإنه ليس داخل إطار التساوي العددي المقفى . أبياته غير مقفاة ، طولها التفعيلي مختلف، بأبيات يتجاوز طواعية حدود الاثنا عشر مقطعا

( فيليب جاكوتي ) يحب السطر الشعري الحر في دواوينه مثل ( البومة ) ، ( الجاهل ) ، ( على ضوء الشتاء ) وأيضا ( أفكار تحت الغمام ) ولكنه أيضا مؤلف لافكار بالنثر وشذرات جُمعت تحت عنوان جميلٍ ( بذار )

( جان ميشيل مولپوا ) هو أيضا كتب الشعر الحر . ولكنه تفوق في نظري خصوصا في[ قصيدة ] النثر لكن هناك[ قصيدة ]نثر و[ قصيدة ] نثر : فرق كبير مثلا بين شذرات ( تشذيب ) ومربعات النثر في ( حكاية الأزرق ) أو ( السنونو الأحمر ) أو قصائد النثر الطويلة في ( غريزة السماء ) او ( الكاتب الخيالي ) !

المقطع يمثل إمكانية أخرى بالنسبة ل(بونوا كونور) ، يتعلق الأمر بطريق ثالث بين الشعر والنثر ، لا يمكن اختزاله في هذا أو[ ذاك ] . المقطع ليس فقرة قصيرة من النثر و ليس أيضا بيتا شعريا من عدة أسطر . المقطع شيء آخر . وبونوا كونور يقترح أن نقول وأن نكتب بالمقطع .مثلما نقول ونكتب أيضا بالشعر أو بالنثر

شاعر مثل (جامس ساكري) يختار معجما متذبذبا بمحض إرادته ، يُذَكِّر في بعض جوانبه باللغة المحكية ، يمكن أن نرى فيه طريقة لرفض كل فصاحة مفرطة ، وكل أسلوب منمق لصالح لغة تتحدث بسمو عن الإنسان بتواضع ولكن بأصالة .

آخرون يختارون انفجار الكلمات على الصفحة بطريقة ( رمية النرد ) لمالارمي عند ( أندري بوشي) مثلا ، الكلمات مرتبة على الصفحة بطريقة تبرز بياضات واسعة .

أخيرا ، يمكن الإشارة إلى أن بعض الشعراء يلحون على البعد الشفوي للشعر ، طبقا لتقليد قديم متعلق ب(الآيد ) أو (الگريو)، الشعر قبل كل شيء كلام ملفوظ ، مغنى ، موزون ، شفوي .[ وعليه ] يمكن أن نفكر مثلا في ( سيرج پي ) وأيضا في الشاعر والناقد ( مارك أليگزندر أهو بومب ) .

واحدة من خصائص المرحلة المعاصرة ، أيضا ، وبالطبع ، السهولة الكبيرة التي بواسطتها نلج بها إلى نصوص من كل العصور ومن كل الثقافات . هذا سمح للشعراء المعاصرين التماس انتماءات وتأثيرات لن تكون متشابهة من [ شاعر ] لآخر. هذا الاتجاه ليس حديثا ، إذ منذ القرن التاسع عشر أعجب ( هوجو ) بشيكسبير وتأثر ( بودلير ) ب( پو ) . [وهكذا ] و بلا شك خلال القرن العشرين و الواحد والعشرين أتيحت للشعراء اختيارات واسعة من المرجعيات والنماذج بعيدا عن الاسماء الكبرى في التراث الوطني ؛ لكي لا نقدم سوى مثال واحد : ديوان جديد ل( دانيال بيگا ) يحيل صراحة إلى نوع الهايكو الياباني .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *