من الخطأ ان يتصور شخص ما، أن مواقف التأييد والمساندة التي أبداها البعض، تجاه المشروع التضحوي للحشد الشعبي، هي حالة ثابتة لا تتأثر بالمتغيرات السياسية والنفسية، التي حدثت عقب العمليات العسكرية، التي اطاحت بدولة الخرافة والجهل المتمثلة بداعش.
قبل الشروع بتفكيك المفاهيم التي سترد، لابد من بيان المصداق الحقيقي لمفهوم “أمة الحشد” بعيدا عن مشاعر المحاباة الشكلية، التي تقال على ألسن بعض المجبرين عليها، حفاظا على مكسب هنا او منصب هناك، او تماشيا مع ثقافة العقل الجمعي، الذي كان لخطورة اللحظة الزمنية دورها الفعال، في ارغام غالبية الناس على الإشادة بمنجز الحشد، الذي فرض نفسه في معادلة 2014 ليكون الضد النوعي الفعال الذي تمكن من سحق العصابات الإرهابية.
بصريح العبارة ان أمة الحشد في مدلولها الدقيق، هي الحاضنة الاجتماعية التي سارعت في تلبية نداء الواجب الكفائي، والتي تشكل رأس المال البشري الداعم لثلاثية العقيدة الواحدة، المتمثلة بالمرجعية الرشيدة كقائد أمين أثبتت التجربة حرصها على مصلحة البلاد والعباد، وموجه نحو الهدف الذي يحقق تلك المصلحة، ومشخص لخطوات الوصول لهذا الهدف، مع الإشارة لمخاطر الإبتعاد عن الآليات السليمة لبلوغه.
الشعائر الحسينية وإرتباطها الوثيق بأصالة الإسلام وحقيقته، ومخاطبتها للفطرة الانسانية، وإماطة اللثام عن كثير من الحقائق التاريخية، التي تكون سببا لإنعاش الضمير، وتقوية الإرادة وتوجيه السلوك وتطويع النفس وترويضها، للمثول بين يدي القيادة الحقيقية في زمن الغيبة، والمقصود بها المرجعية الدينية، يمكن اعتبارها الركيزة الثانية من ثلاثية العقيدة المشار إليها.
على ما يبدو ان القوى الإقليمية والعالمية قد أخطأت التوقيت، حين زجت بعناصر الفكر الظلامي المغرر بهم، في إتون حرب خاسرة على أرض العراق، كونها جاءت في مقطع زمني شهد تفاعلا لافتا بين جمهور الشعائر الحسينية، وبين قيادتها الشرعية المتمثلة بالمرجعية، ليكون نتاجها حشدا شعبيا رافضا للذل والهوان، وبذلك تكون قد اكتملت ثلاثية العقيدة بركيزتها الثالثة، التي كانت لدماء الحشد وصولاته خير مثال، على ترجمة شعارات الثورة الحسينية، إلى سلوكيات واقعية ترخص بها الأنفس فداء للوطن الجريح.
بعد ان أسدل الستار على الحقبة الداعشية، وعادت الأمور إلى طبيعتها، اتضح أن أغلب الاهازيج والشعارات والبيانات والتحليلات، التي كانت داعمة للحشد وتتغنى بانتصاراته، ما هي إلا كذبة فضحتها حالة الرخاء والأمان والاستقرار الذي تحقق بعد الحرب، وأنها لم تطلق لسواد عيون الحشد ورجاله، إنما كانت بسبب الشعور بالخوف والهلع والتأثر بما يقال، عن إرهاب داعش وقسوته، ولعلهم معذورون في ذلك، فالغريق يتمسك بما يتاح له، بغض النظر عن ملمسه ناعما كان او خشنا.
المتابعة الدقيقة لمجريات الأحداث منذ 2018 وما تلاها، يؤكد ان الحشد في نظر البعض لا يعدو كونه علاجا عند الحاجة، وإلا فهم مجموعة من الأفراد المشكوك بوطنيتهم، والمتهمون بولاءهم للخارج، ولا يحق لهم ابداء الرأي، في مختلف الأحداث السياسية، ويمارسون طقوسا مثيرة للجدل عبر التأريخ.
لا تخلو تلك الاتهامات من الأبعاد السياسية، والتنافس غير المشروع حول السلطة، وإن أدى ذلك إلى التنكر للتضحيات ومصادرة الجهود، خصوصا عندما يكون صادرا من فعاليات متباينة في أفكارها إلى حد التقاطع، لكنها تلتقي في موقفها من الإعتراف بالحشد، كضرورة تفرضها مخاطر المرحلة والمنزلقات التي يمر بها البلد.
ربما تكون الجهات الطائفية محقة في تبنيها الموقف السلبي المناويء للحشد، كونه يمثل حالة مغايرة في التوجه العقائدي، ومخالف للموروث الثقافي الذي بنيت عليه مؤسساتهم العلمية واطروحاتهم السياسية، فهو يشكل تهديدا وجوديا لهم، وينسف جهودهم في إقامة الحلف الوثيق مع بقايا النظام البعثي، لكن ان يتفشى هذا الشعور الى الفعاليات التي تدعي المدنية والعلمانية، فهذا يثير عدة تساؤلات؟ والانكى من ذلك أن بعض المواقف السلبية التي تقف اليوم بالضد من الحشد بمختلف عناوينه، تصدر من شركاء فاعلين في الوسط السياسي، ولهم امتداد جماهيري بنفس المساحة الشعبية المؤيدة والداعمة للحشد، وتشترك عقائديا معهم.
بناء على كل ما ذكر لابد من توجيه الخطاب إلى أمة الحشد، بضرورة رفض حالة الصنمية، ومغادرة الاعتبارات الرمزية التي صنعها القادة لأنفسهم، والالتفاف حول تلك المفخرة، التي تعد منحة العقيدة لتلك الأمة المنهكة، وتشخيص العدو المشترك والذي يعيش في اوساطها، وبالتالي فليس لأمة الحشد إلا بعضهم، بعد ان بانت النوايا وكل شريك في هذا الوطن قد ادلى بدلوه حيال العديد من المواقف.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *