مَن قال «إنّ المرأة ناقصة عقل ودين» فهو مخالِفٌ لشرع الله العادل الصحيح ومتناقضٌ مع حقوق الإنسان التي أقرّتها الشرعة الدولية واعترفت بها دولٌ وشعوبٌ وأقرّتها منظمات إنسانية ومؤسسات دينية ناضجة تعي ما تقول وما تفعل. لكنها مهما نالت من دعمٍ دوليّ وسندٍ مجتمعيّ وعونٍ من البيت المثقف والرجل الناضج، ستبقى أداةً يسيرة لاستغلال الرجل الانتهازي في غريزته وطبيعته ومن مثلِه من المجتمعات الضعيفة في فكرها ووعيها وأسلوب تفكيرها ورؤيتها بسبب الدور الأساسي الذي تلعبُه في رعاية البيت وصيانة المؤسسة المجتمعية ومن ورائها الوطن.
حظ عاثر
في مجتمعات متعلمة ومسلَّحة بتربية منزلية ومؤسساتية جيدة، قد تجد المرأة ذاتُ الحظّ العاثر والنصيب الخائب نفسَها بين جدران سميكة صعبة التملص منها. لكنّ أصول تربيتها الصحيحة وقوّة أسس تكوينها الفكري والعقلي والعاطفي المتمرّس تقف لها سدًّا مانعًا وحاميًا لصدّ التحديات غير المسؤولة التي تواجهها فطريًا واحترافيًا ومجتمعيًا. وهذا من شأنه أن يخلق فيها نبراتٍ حادة في مواجهة الصعاب ومشاكل الحياة الأسرية منها والمهنية سواءً في المنزل أو الشارع أو في العمل حين تواجدها جنبًا إلى جنب مع الرجل. ومن النساء الفاعلات مَن أثبتنَ جدارتهنَّ في تلقين الرجال الضعفاء في الإرادة والعمل وإدارة البيت دروسًا في التربية وفي إثبات الذات والجدارة ومواجهة التحديات اليومية. فالمرأة المتعلمة والناضجة من النادر أن تقبل بالهزيمة أمام الرجل أو رب العمل إلاّ إذا خانتها وسائل التعليم وغابت عنها القدرة على تحمّل المسؤولية وإثبات الذات والجدارة واستخدام مؤهلاتها الناعمة والعاطفية الجاذبة، حتى في شؤون البيت وفي كيفية إدارة فن التفاهم الزوجي بعد مغادرتها حياة العزوبية وارتباطها بالإنسان الذي من المفترض أن يصبح جزءًا منها وهي جزءٌ منه. ففي هذا وفي الكثير من جزئياته وجوانبه تبقى المرأة سيدة الموقف وقادرة على تجاوز الأسلاك الشائكة بحيلة المرونة التي تلفُّها وتمسك بها، ليس بسسب استخدام رغباتها وأدواتها الأنثوية الناعمة فحسب، بل في قدرتها على الصبر الطويل والاستفادة من خبرات غيرها من المثيلات ممّن صلن وجلن في ظروفٍ لا تُحسدنَ عليها في بحر الحياة الأسرية والاجتماعية والزوجية مستفيدةً قدرَ استطاعتها من كميات التفاؤل في الحياة التي تعلمتها منذ الصغر وفي الكبر على حدّ ٍسواء.
هذا حالُ المرأة التي تعلمت من مواقف الحياة في أقلّ تقدير عندما تسخّرُ شكلَ هذه الخبرة في هزيمة الظروف التعسة وخيبات الأمل التي أرهقت مسيرتها، لاسيّما بعد دخولها القفص الزوجي المفترض أن يصير لها قصرًا للسعادة وحياة لليسر وبناء الأحلام السعيدة السابقة لتأهلها العائلي. فالوضع الأسري الجديد من شأنه أن يبعث فيها مواطن القوّة ويُبعد عنها كلّ أشكال الضعف والقلق والحيرة التي لفّتها وعانت منها طيلة فترة بقائها أسيرة البيت الوالدي الذي تشعر فطريًا بقيوده وتحديده لحركتها ورغباتها وطموحاتها في التحرّر والاستقلالية في أقرب فرصة ماثلة. وعندما تحين مثل هذه الفرصة بعد دراسة الموجبات والحيثيات وما يحيط بها جميعًا من معوّقات أسرية أو عشائرية أو عرفية، تبدأ بممارسة حقها في إزالة غبار الحزن عنها والتفكير بمستقبلٍ يختلف ربّما عمّا رسمه لها الوالدان والمقرَّبون من العائلة والعشيرة. وهنا تكمن القدرة على التجدّد في تقليب صفحات الطموح العديدة عند المرأة المتعلمة صاحبة الفكر والرأي والقرار الجريء الذي لا تتراجع في تثبيت دعائمه بما تملكه من قدرات نسوية ومؤهلات تربوية وعلمية وحتى فلسفية وحكمية في صنع شكل الحياة الذي تتوق لتحقيقه بجدارتها وكفاءتها وشجاعتها.
بصمات انثوية
ما أكثر ما ترويه لنا حكايات الشعوب المختلفة في ثقافاتها وأديانها ومعتقداتها لنساءٍ عاقلات جريئات متعلّمات تحمّلن مسؤولية أسرٍ بكاملها في غياب إدارة الأب أو ضعف قدراته الرجولية والمهنية والعملية في رعاية الزوجة وتربية الأطفال، إن وجدوا في الحياة الأسرية ضعيفة الحيلة والمورد والتعليم، أو في ترويضهنّ للرجل أو الزوج وباقي أعضاء الأسرة بالطريقة التي لا تخلو من بصمات أنثوية ساحرة تعي قيمة التجديد في الحياة وفي أسلوب العيش الكريم الذي ينقط ذهبًا كما يُقال. كما ينبغي التذكير أيضًا بقيمة سمات الصبر والجلَد والرويّة في تقدير الأمور والمسائل التي تتمتع بها بعض النساء البارزات في تاريخ الشعوب بالرغم من صعوبات الحياة ودهاليزها الخفية وأسرارها التي تخفى حتى على بعض الرجال والأزواج. من هنا، فإنَّ مصارعة الخيبة والخذلان وهزيمة ما قد يكتنفها ويحيط بها أو يتسلّلُ إليها من ضعفٍ خلسةً أو لأيّ سبب بارز، هي بحدّ ذاتها من وسائل النصر المؤشَّر لنجاحها في مقارعة المشاكل التي تتعرض لها سواءً في البيت أو الشارع أو في العمل، وذلك إيمانًا بقدرتها على نفض الحزن وترك أشجان الحياة جانبًا بدل انهيارها وخضوعها للأمر الواقع الضعيف وللقدر المفروض عليها بادّعاء أهل الخيبة والقنوط ومَن يدعو مثبِطًا بضرورة التزام المرأة لبيتها وخنق حريتها التي أحقّها وأحلَّها لها الخالق. فدعاة هذه الفكرة إنما يزرعون فيها وفي مثيلاتها من بطلاتِ وناشطاتِ حريةِ الرأي والفكر والحركة كلَّ أشكال الخيبة والقنوط واليأس الذي لا ينبغي أن تقبله المرأة المتعلمة العاقلة التي تعرف وزن نفسها وقيمة قدراتها وتتسلح بِسِمَة التفاؤل والقدرة على التجديد والإبداع والابتكار. وهي جديرة بهذه جميعًا إذا ما أُتيحت لها فرص الحياة والخلاص من القيود المفروضة عليها بحجة الدين والشرع وفتاوى الجهلة من أدعياء الفقه غير الجديرين ومن ناكري التنوير الحقيقي الصحيح لأساسيات الدين والمعتقد والمذهب والتفسير الفقهي وفق العصر والجغرافيا والديمغرافيا وما تفرضه ما شابهها من الظروف الزمكانية المختلفة عبر الأجيال وعلى مرّ الأزمان. وهذا ما نريد قوله بأنّ المرأة القوية والناضجة ليس من السهل هزيمتها في بحر الأوجاع مهما قست عليها الظروف والمواقع