لطالما سمعت عن فقد الاحبة خلال عقود خلت من عمري .. يشهد الله لم احس بها الا بعد فقد ( ولدي ) .. اذ غدت تحفر بخاطري وتاجج عواطفي وتدمي جروحي وتهز مشاعري وتهطل دموعي … مجرد اسمعها من أي مصدر .. كاني ما عرفتها ولم اسمعها من قبل ..
في نهاية التسعينات كان الشعب يأن تحت ربقة الحصار والاستبداد ، وقد سالت صديقي الأستاذ فاخر أبو لواء رحمه الله عن إمكانية التغيير وتحسين حال الفقراء ، فقال : ( منذ العهد الملكي وخلال عقود سبعة خلت كنت أتوقع تحسن الحال ومع تبدل خمسة أنظمة سياسية لم تقدم شيء للشعب.. فلا جديد في ظل أنظمة سياسية مؤجندة وجراء ظروف دولية خارجية ومحلية تحرف المسار ليصب بمصالح ضيقة على حساب الشعب الذي سيبقى ينتظر وينتظر حتى الموت.. ) .
لم استغرب حينما وجدت نفسي ابكي وحيدا بحرقة على فقد ابني دون مشاركة احد الا من امه واخوته .. غير ذاك لم اجد اثر دمعة .. ولا استغرب ذلك ولا افسره بسلبية .. فان مفهوم الموت تغير عندي حال اغماض عين ولدي بعد ان احسست ان ستارة سوداء غطت عيني وسدت افقي .. فيما هذا الإحساس غاب عني برغم فقدي ( لامي وابي واخي واختي والكثير من الاعز صحبي واقاربي رحمهم الله ) كاني اعي منطق جديد للاحساس بوجع الموت الذي سماه الله بمحكمه الكريم ( وتلك مصيبة الموت ) !
صديقي الأستاذ عبد الكريم الناشيء رحمه الله عاش ما يقارب ثمانية عقود قضاها في السياسة وشؤونها وشجونها … قبل موته قال : ( التغيير السياسي في الدول العربية عامة والعراق خاصة وفقا لتجارب عايشتها لا يصب بصالح الشعوب ..) فهناك طبقة كبيرة من الوصوليين والمطبلين والانتهازيين والمنافقين تحيل دون تطور المجتمع وتحسن الأحوال .. فهم يجيدون فن تغيير جلودهم بعناوين ومسميات ووجوه متقلبة تصلح لكل الأحزاب والقوى .. تضمن لهم مصالحهم بنظام ملكي او جمهوري ، علماني او ديني فهم عصارة (طماطة) تصلح لكل الاكلات السياسية .
ذهبت الى مجلس عزاء الكابتن والمربي المرحوم محمد علوان أبو هالة ، سمعت كثير المتحدثين وهم يذكرون الفقيد بخير عما كان يقدم معونات للاعبين المعوزين وكذا مساعدات شخصية انقذتهم من السجن والخدمة العسكرية بل وحتى من الإعدام … وكيف كان يوظف سيارته وامواله بخدمة محبوبته كرة القدم .. فيما مات أبو هالة بعيدا عن الوسط والمؤسسات المعنية التي لم يأخذ حقه منها وعاش اخر سنواته متالما مريضا بعيدا عن ميدانه الذي تركه قسرا .. حتى انتقل الى جوار ربه .وقد بكيت في عزاؤه بحرقة كبيرة سيما بعد ان حضر ولدي الفقيد وقرت عيني بعمق الألم وصميم المشهد ..
في الطريق شاهدت عجلة ( تكتك ) كتب سائقها بخط واضح عبارة مضحة مبكية : ( لا تتحدث عن الواقع .. فالواقع قمامة ) .
همس صديقي الفيلسوف أبو طه العزاوي رحمه الله مرة ناصحا : ( لا تفكر بمنطق العقلاء وانت تعاشر المجانين .. وهذا لا يعني ان تكن مثلهم .. لكن أي محاولة منك للعقلنة في غير محلها ستجعلك ضحية للعقل والجنون ومعا ) ..
في الختام مررت بجميل شعر نقله لي صديقي الاديب أبو حكيم ( حفظه الله ) :-
دنيا تجدد كل يوم غدرها ..
والناس فيها بعنيف صراعي ..
يتهافتون على حقير متاعها
وغدا يفض الموت كل نزاع