قِيثارةٌ داعَبَت في عزفِها الوَتَرا
قالَت: أتَعشَقُ وجهًا عنكَ مُستَتِرا؟

فقلتُ: عشقي بقلبي قبلَ باصرتي
وللفؤادِ عيونٌ تُحسِنُ النَّظرا

فحسنُهُ كربيعٍ زاهرٍ عبِقٍ
وعشقُهُ كنسيمٍ في الجِنانِ سرَى

ملَأتُ مِن عطرِهِ روحي وخافقتي
وهل يُلامُ عليلٌ في الهوى سُحِرا؟

قالَت: فصِفْهُ، أليسَ الشِّعرُ أجنحةً؟
يُمسِي إلى روضةٍ للمُصطَفَى سَفَرا

فقلتُ: لو أنَّ بنتَ الجنِّ تَخدِمُني
في نَظمِ قافيتي ما كنتُ مُنتَصِرا

فوصفُ طه محالٌ أن يُحيطَ بهِ
شِعرٌ لإنسٍ وجنٍّ قلَّ أو كَثُرا

نَجمٌ تَلَألَأَ في صدر الدُّجى ألقًا
سبحانَهُ صاغَ مِن أنوارِهِ بَشَرا

مِصباحُ هَدْيٍ وربُّ العرشِ أَوقَدَهُ
ولن يَتيهَ الذي يَقفو لهُ الأثرا

سبحانَهُ بجميلِ الخُلْقِ كمَّلَهُ
وخطَّ في الذِّكرِ مِن أوصافِهِ دررا

وقد دنا وتَدَلَّى والحبيبُ رأَى
وما سواهُ بفيضٍ غامرٍ ظفِرا

مِعراجُهُ لغةُ المعنى تَلوذُ بهِ
وذاكَ سرٌّ عظيمٌ أَعجَزَ الشُّعَرا

تاهَت حروفي وحارَت فيه قافيتي
فسرُّهُ عن عيونِ الشِّعرِ قد سُتِرا

لو كنتُ نسرًا ومِن عالي السَّماءِ أَرَى
هل كانَ للطَّيرِ أن يَستَكشِفَ القمرا؟

قالَت: فزِدْني ضياءً في محبَّتِهِ
أَراه في دمعةِ الأشواقِ قد حضَرا

أَطبَقتُ جَفني وطيفُ الحُسنِ يَسكُنُهُ
وعينُ ذاكرتي لم تَبرَحِ الصُّورا

لقِبلةِ النُّورِ قلبي كالفَراشِ سعَى
كناسكٍ طافَ حولَ البيتِ فاعتَمَرا

رأَيتُ طفلًا يَخيطُ الحُبَّ أشرعةً
يُصارِعُ الرِّيحَ والأمواجَ والمطرا

يَبنِي السَّفينةَ إنقاذًا لمَن ظُلِموا
بصبرِهِ لضفافِ النُّورِ قد عبَرا

وما لهُ مِن نصيرٍ في تَغَرُّبِهِ
سوى كتابٍ وشيخٍ يُطعِمُ الفُقَرا

مرَّت ليالٍ وصمتُ الغارِ يُؤنِسُهُ
ليَبزُغَ الفجرُ في الطفلِ الذي كَبُرا

مهاجرٌ وعيونُ الطَّيرِ تَتبَعُهُ
نهرُ السَّكينةِ مِن أحداقِهِ انحَدَرا

حمامةُ الغارِ أَمسَت وهي نائمةٌ
شعارَ دِينٍ أَنارَ البِيدَ وانتَشَرا

كم يَصطَفِي اللهُ مِن آياتِهِ مُثُلًا
في صمتِها حمَلَت للسَّائلِ الخَبَرا!

كأنَّها وأنينُ الوَجدِ يَعزِفُها
مِزمارُ عشقٍ تلا الآياتِ والسُّوَرا

الشَّوقُ في القلبِ للمُختارِ أغنيةٌ
لكنَّما الحرفُ عن وصفِ الهُدَى قَصُرا

قالَت: طرِبتُ وفاضَ الكأسُ مِن شفتي
كأنَّما اللَّحنُ في أنوارِهِ سكِرا

فقلتُ: طه عطاءٌ كالغِياثِ همَى
كجدولٍ في حقولِ الياسَمينِ جرى

حديثُهُ مثلُ نورٍ في المساءِ سرى
وصمتُهُ لؤلؤٌ في النَّفسِ قد نُثِرا

كم كانَ يَصبِرُ عن إيذاءِ مَن جحَدوا
لكنَّهُ عن بكاءِ الطفلِ ما صبَرا!

تُرجَى الشَّفاعةُ مِن فيضِ الكريمِ؛ فقد
أَمسَى بها الذَّنبُ مَمحُوًّا وقد غُفِرا

صلِّي عليهِ صلاةَ اللَّائذينَ بهِ
فالكونُ يَزهو طَروبًا كلما ذُكِرا

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *