بحسب عز الدين المناصرة، فإن التعريف الأوروبي لقصيدة يشبه كثيراً خصائص قصيدة النثر العربية، غير أن المشكلة -في نظره- تكمن في النقل الحرفي للمفهوم الأوروبي إلى حداثة بدوية لا ترى من الحداثة الأوروبية سوى شكلها؛ فيقع كاتبها الشاب في حرق المراحل مُنطلقاً من غبار قريته أو مُخيَّمه إلى مجاهل الهروب الوجودي حيث الحداثوية (اصطناع الحداثة) مجرد صورة أو شكل خارجي.
ويرجع المناصرة في كتابه (إشكاليات قصيدة النثر- نص مفتوح عابر للأنواع) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002م، في 536 صفحة من القطع الكبير؛ يرجع إلى مقولات تجذير قصيدة النثر في التراث الشرقي، والتي تدعو إلى إعادة قراءة التراث بالعودة إلى كتابات المتصوفة والنصوص المصرية القديمة ونشيد الأناشيد التوراتي، ويقرر أن هناك شبهاً متحققاً فعلاً باستثناء القصدية والتسمية، ولكنه يعزو محاولات التجذير إلى أنها رد فعل على اتهام كتاب قصيدة النثر بالقطيعة مع التراث.
ويتحدث الكتاب عن أسطرة كتاب سوزان برنار (قصيدة النثر من بودلير إلى مالارميه)، واتخاذ شروطها التي وضعتها المرجعية الأولى التي اعتمد عليها كُتَّاب مجلة شعر وعلى رأسهم أدونيس (حددت برنار قصيدة النثر بعدة شروط: الوحدة العضوية – المجانية – الإيجاز، من خلال تعرضها لتجارب كتاب قصيدة النثر من نهايات القرن السابع عشر وحتى نهايات القرن الثامن عشر: بودلير، ما لارميه، رامبو، لوتريامون). ويعتبر المناصرة مقالة أدونيس 1960 أول مقالة نقدية واضحة المعالم عن خصائص قصيدة النثر، ويقول: “يُجمع النقاد على أن معظم الأفكار الأساسية الواردة في المقالة أخذت من كتاب سوزان برنار الصادر 1959م. وإذا كان أدونيس قد أشار إليها بعبارة (اعتمدتُ في كتابة هذه الدراسة بشكل خاص على كتاب سوزان برنار باللغة الفرنسية)؛ فهذه الإشارة ليست كافية حيث أن البعض رأى أنه كان على أدونيس أن يترجم ما يراه مناسباً من أفكار برنار، دون الزعم أن الأفكار حول قصيدة النثر هي أفكاره، والصحيح أنه يمتلك الصياغة العربية لهذه الأفكار”.
في جزء آخر، يدلف الكاتب إلى إشارة في مقدمة أنسي الحاج المنشورة في مجموعته الأولى (لن) عام 1960، إلى باعث أيدولوجي، حيث يحدد أنسي أن معظم من يكتبون قصيدة التفعيلة هم من الشعراء العرب الشيوعيين والواقعيين الذين اقتربوا من النثر.
ويَجمع كِتَاب (إشكاليات قصيدة النثر) للشاعر والناقد والأكاديمي عز الدين المناصرة؛ عدداً هائلاً من المقولات حول قصيدة النثر العربية من جيل البدايات (جبران خليل جبران، أمين الريحاني) مروراً بأدونيس وأنسي الحاج وكُتَّاب مجلة شعر، ويبدو الكتاب متأرجحاً بين الرصد لحركة تطور مقولات قصيدة النثر ومقولات الكاتب نفسها، التي تتجلى في طريقة عرضه من خلال التعليقات على نسيج المتن والحاشية، متعرِّضاً لمشكلة اصطلاح قصيدة النثر وتجنيسها وتاريخها العربي والأوروبي، عارضاً خمسة وعشرين اسماً أطلق عليها. كما تطرَّق الكتاب أيضاً لتجربة أمين الريحاني (الشعر المنثور)، حيث يقرر أن مرجعية نصوص كتابه (هتاف الأودية) هي مرجعية أوروبوأمريكية، ويعود محدداً بعض مصطلحات المرجعية الأروبوأمريكية كـ(الوزن والإيقاع والنثر بالشعر، الإيقاع النثري، الشعر الحر، الشعر المرسل)، ليستنتج منها أن قصيدة النثر في التعريف الإنجليزي والفرنسي تعني: (قطعة كتابية بطريقة نثرية لكنها متميزة بعناصر تتوافر في الشعر)، ومن ثم يقرر المناصرة أن هناك فروقاً بين المرجعية العربية والمرجعية الفرنسية أو الأنجلوسكسونية، وهي فروق ضرورية لإثراء شعر العالم، عوضاً عن أن تتوحد تلك المرجعيات قسرياً، منتقداً سوزان برنار التي أقرت بأنها لا تعرف قواعد محددة لقصيدة النثر، ولكنها تتبنّى قواعدية صارمةً، فضلاً عن أنها لم تثبت أن قصيدة النثر شعر خالص.
يختار الكاتب نماذج من قصيدة النثر والقصة القصيرة جداً والرواية، مقارناً بينها، ويوضح أن شاعريتها تعود للنص نفسه وليست لقواعد من خارجه. ويستعرض الكتاب نماذج أخرى لكتاب قصيدة النثر، تمثل في –رأي الكاتب- انفجاراً في كتابتها، من (1971 وحتى العام 2001) متناولاً خصائصها، فتناول قصائد نثر لـ(سليم بركات، شاهر خضرة، أحمد الشهاوي، أمجد ناصر، زكريا محمد، غسان رقطان، خالد درويش، قاسم حداد، عباس بيضون، وسركون بولص.. فاضل العزاوي، بول شاوول، شربل داغر، رياض فاخوري، مؤيد الراوي، سمير الصايغ، عقل العويط، شاكر لعيبي، سيف الرحبي، وليد خازندار، نوري الجراح، حلمي سالم، باسم النبريص، زياد العناني، نجوان درويش، حسين البرغوثي، ندى الحاج، وفاء العمراني، رفعت سلام، منذر عامر، محمد حسين القاضي، دنيا الأمل إسماعيل، مرام مصري، عائشة أرناؤوط، ندى خوري، سلوى الثعيمي، هالا محمد، روز شوملي، رانة نزال، غادة الشافعي، محمد العبد الله، وبسّام حجّار).
والكتاب مزود بمجموعة من الجداول الإحصاءات الثرية عن قصيدة النثر والتفعيلة والشعر العمودي، كما استطلع أكثر من 40 شاعراً وناقداً وكاتباً باللغة العربية حول مشروعية قصيدة النثر وخصائصها وهل هي جنس مستقل أم عابر للأجناس. وعلى رأس المُستَطْلَعِينَ كان الناقد الفلسطيني إحسان عباس والمغربي عبد الملك مرتاض، كما استطلع الكتاب كُتَّاباً ونقاداً آخرين من أجيال مختلفة الحساسية، مثل نجيب العوفي، محمد المريسي الحارثي، محمد السرغيني، عبد الرحمن يانمي، محمد صالح الشنطي، شاكر لعيبي، محمد بودويك، إبراهيم أبو هشهش، غسان عبد الخالق، محمد عبيد الله، سليمان الأزرعي، حكمت النوايسة، عبد المجيد زراقط، غازي الذيبة، إبراهيم الخطيب، نادر هدى، أحمد بلحاج آية وارهام، زهير أبو شايب، عبد الكريم الناعم، محمد الباردي، ضياء خضير، محمد صابر عبيد، بشرى موسى صالح، ذياب شاهين، رائد جرادات، حبيب مونسي، زياد أبو لبن، عادل الأسطة، ناسان أسبر، ناصر شبانة، ريمي أبو علي، شاهر خضرة، محمد سليم الزبعي، رسول عدنان، حاتم النقاطي، محمد علاء الدين عبد الموالى، لارا الحمود، المهدي عثمان، رزاق الحكيم، عبد السلام المساوي، بو جمعة العوفي، شربل داغر).