مطلع الثمانينات وبعد ان تم سوقي للحرب العبثية برغم تخرجي من الإعدادية دون رسوب وبمعدل يؤهلني دخول الجامعات … حزنت ويئست من الحياة آنذاك .. فاقترح علي مراجعة الدكتور سعدون حمام رحمه الله في منطقة الجعيفر .. التقيته اول مرة فبدا لي كبيرا بثقافة عامة واسعة متنوعة .. لم يتطرق لمواجعي بل تحدث عن الحرب والثقافة والسلام والادب والفن والرياضة … وغير ذلك الكثير مما استحسنه وطلب مراجعته .. رفض اخذ اجرة المعاينة قائلا : ( مثلك من الشباب وانت تخوض غمار الحرب ستكون اول معاينة مجانا بيننا .. بل هي عربون صداقة كما ادينا شعار وقسم التخرج في الولايات المتحدة الأميركية في الستينات ) .
بعد 2003 واثناء اجندت الاقتتال الطائفي البغيض الذي ضرب الوطن والمجتمع بمقتل .. احسست بالم صحي استلزم علاجا فبحثت عن طبيب بتلك الأوقات العصيبة التي كان فيها الأطباء هدفا للقتل والاستلاب وربما التهجير مما صعب مراجعتهم .. توسط صديق لي فالتقيت دكتور عدنان خليل ( حفظه الله واطال عمره ) بأول لقاء لنا في عيادته البسيطة المريحة نفسيا بمنطقة البستان في الحرية ليصبح بعدها صديق مقرب ومحبب لنفسي تجمعني به حوارات إنسانية ووطنية وادبية ورياضية وثقافية.
وجدته يجمع بشغف التحف الفنية النادرة سيما رقع الشطرنج ينتقي منها اندرها واجملها للمتعة والتذوق الفني فضلا عن كونها لعبة تعتمد الذكاء الحاد والمخارج المدروسة .. كما قال لي .. زرته في بيته مرة فاستغربت من صالة الضيوف المرتبة بشكل تحفوي جميل وتعج بأصوات رنين الساعات المرتبة كانها بمعرض للساعات وبانواع جميلة تراثية لمختلف الأزمنة والمناشيء .. قال : ( انه يقتنيها ويحتفظ بها كتحف يعيش صوت موسيقاها الباعث على الحياة والمنظم لاوقاتها .. فبعضها مصنوع بصورة ملفتة تدل على مدى التزام الانسان وحرصه على الوقت فضلا عن ابداع العقل بإنتاج احد اهم الصناعات التي أسست للحضارة الإنسانية بعد الكتابة من وجهة نظره .. اذ جعلت للوقت قيمة وحددته بما يمكن الإفادة منه وضبط ايقاعه والتخلص من عبثيته ).
دكتور عدنان خليل تقاعدا قبل سنوات بموجب القانون الأخير الذي أطاح بعقول خبرات المؤسسات العراقية ووجه ضربة مهنية قاتلة للصالح العام جراء سحقه للعقول والخبرات والكفاءات العراقية العاملة بالمؤسسات الحكومية باسم القانون وتحت ذريعة منح فرص للشباب . زرته لعيادته فوجدته مقشعرا حزينا ليس من اجل المادة كما يتوهم البعض ، بل قال : ( ان اموري المعاشية بخير وصحتي على ما يرام .. ولكن حزني يتعلق بالدولة التي حرمتني من أداء خدماتي للناس في المستشفيات العامة التي ما زالت تحتاج الكثير .. كما ان وزارة الصحة استوردت أجهزة دقيقة يمكنها تقديم الأفضل للمرضى وانا من قلة نوادر من يجيد استخدامها ويعرف تقنياتها وقد حرمت من تقديم خبراتي للأطباء الشباب حتى يضبطوا عملهم ويتقنوه بما يخدم المشفى والمريض والوطن ..
ما زال د . عدنان يعمل ليل نهار ويواصل حربه ضد الميكروبات والجراثيم ومختلف أنواع التخلف … التي تصيب الانسان في جسده وعقله ونفسه وضميره .. لا يأخذ الا اجرة بسيطة ولا يتوان بالكشف عن المريض والصبر عليه والاحساس بمعاناته والامه في بيته والعيادة وبيوت الناس .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *