قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬مجلة‭ ‬مصرية،‭ ‬لعلها‭ ‬الهلال،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬شدتني‭ ‬فيها‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬احدهما‭ ‬يتبنى‭ ‬الإنسان‭ ‬كأساس‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة،‭ ‬وبين‭ ‬آخر‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬المبادىء‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقدساً‭ ‬وتستحل‭ ‬بموجبها‭ ‬حتى‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭.‬

كانت‭ ‬المناظرة‭ ‬قد‭ ‬صيغت‭ ‬في‭ ‬براعة‭ ‬تحبس‭ ‬أنفاس‭ ‬القارىء،‭ ‬فتراه‭ ‬تارة‭ ‬يميل‭ ‬الى‭ ‬ترجيح‭ ‬طرف‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬الى‭ ‬ترجيح‭ ‬طرف‭ ‬المبادىء‭.‬

هذه‭ ‬المناظرة‭ ‬لازمتني‭ ‬في‭ ‬تأملاتي،‭ ‬وأنا‭ ‬ابن‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكمه‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬البعث‭ ‬العربي‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬ومبادئه‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬العرب‭ ‬وحريتهم‭ ‬واشتراكيتهم‭ ‬ووجوب‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أدرس‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬المانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحكمها‭ ‬مبادىء‭ ‬الماركسية‭ ‬اللينينية،‭ ‬ولاحقاً‭ ‬ما‭ ‬عشته‭ ‬أياماً‭ ‬أثناء‭ ‬استيلاء‭ ‬مجاميع‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالدولة‭ ‬الإسلامية‭ ( ‬داعش‭) ‬في‭ ‬الموصل‭.‬

تذكرت‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬الإنسان‭ ‬الى‭ ‬وحش‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬معه‭ ‬عقائدياً‭ ‬أو‭ ‬طائفياً‭ ‬أو‭ ‬فكرياً‭ ‬أو‭ ‬عرقياً‭ ‬عندما‭ ‬يركبه‭ ‬التعصب‭ ‬ويعميه‭ ‬هوس‭ ‬المبادىء‭.‬

تذكرت‭ ‬كيف‭ ‬يئن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيوعية‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الليبرالية‭ ‬سعادة‭ ‬الحياة،‭ ‬وآخر‭ ‬تخنقه‭ ‬الحسرة‭ ‬في‭ ‬عرقيته‭ ‬وطائفته‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬مجتمع‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭.‬

وفي‭ ‬العراق‭ ‬تذكرت‭ ‬الشيوعيين‭ ‬والبعثيين‭ ‬والاسلامويين،‭ ‬سنة‭ ‬وشيعة،‭ ‬والعرب‭ ‬والكرد،‭ ‬والمسلمين‭ ‬والمسيحيين،‭ ‬وغيرهم‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وما‭ ‬اقترفوه‭ ‬في‭ ‬سكرة‭ ‬نشوة‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الثأرية‭ ‬العمياء‭.‬

انه‭ ‬عمى‭ ‬المبادىء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بدونها،‭ ‬ولكن‭: ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مبادىء‭ ‬إنسانيتها

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *