الحملةُ التي تُشَنُّ على الصحفيةِ والإعلاميةِ العراقية سهير القيسي؛ تقودُها سلوكياتٌ مريضةٌ مزدوجة التوجه . سهير اعلامية ٌعراقيةٌ مجتهدةٌ ومميزة؛ عَمِلتْ في قناةٍ عربيةٍ يطمحُ للعملِ بها كلّ من يفتحُ عينَه على هذا التخصص، لما تتميزُ به القنواتُ غيرُ العراقية من احترافٍ ومِجالٍ للشهرة، واستثمارٍ للكفاءة؛ فضلاً عن العائدِ المادّي الذي يحفظُ كرامةَ الإعلامي؛ ويضمن حقوقه وفق اصول وقواعد العمل السليمة.
نجحتْ سهير في كلّ ما أوكِلَ لها من مهامٍ اعلامية، فكانتْ مذيعةَ أخبارٍ مكتملةِ الأدوات، ذاتَ شخصيةٍ جذّابة مريحةٍ للمشاهدين، ونجحَتْ كذلكَ في تقديمِ الملفّات الساخنةِ في برنامجها الأسبوعي المعروف عن الشانِ العراقي بادارةِ الاعلامي الدكتور صباح ناهي ، كما نجحتْ في اجراءِ الحوارِ السياسي مع عددٍ غير قليل من الشخصياتِ السياسية متنوعة الاتجاهات، ما تطلّبَ منها احاطةً بالشخصيةِ وانتماءاتِها وتحالفاتها ومشاريعِها. وكانتْ روحُها العراقية المخلصة تتسرّبُ من ثنايا الأسئلةِ والمداخلاتِ التي تقدّمُها اثناءَ المقابلات، في وقتٍ هي غيرُ مسؤولةٍ عن سياساتِ المؤسسة إذا ماكانت متقلبّة؛ والتي لن يصلَ اليها الإعلاميُّ الفرد العامل بسهولة ، لاسيما حينَ تُرسَلُ لتغطيةِ مؤتمرٍ أو حلقةٍ نقاشية .
هذه الإمكانيةُ والعقليةُ المشعّة قرّرتْ أنْ تقدّمَ برنامجاً جماهيرياً منوّعاً تستضيفُ من خلالِهِ أنماطاً من الضيوف،وانواعاً من التخصصات، لتضعَ المشاهدَ كما هو واجبُ أيّ برنامجٍ أمامَ فرْشةٍ واسعةٍ من الخيارات، وتُشركُهم في الحوارِ حولَها.
سماتُ سهير الشكليّة وحضورُها وثقافتُها العامّة تتيحُ لها أنْ تقدّمَ شكلَها وعقلَها ومواهبَها بالطريقةِ التي تَراها ، طالما أنها بحسّها الصحفي والإعلامي وانضباطِها الاجتماعي، تعرفُ ماذا يريدُ الناسُ في هذا الظرف الذي اصبحتْ فيه بيبانُ السياسة مغلقةً بالكمالِ والتمام ، والحوار بشأنها مملٌّ وعقيم.
هذا التميّزُ أغاض الكثيرَ كالعادة لأسباب تتراوَحُ بين الحسَدِ والجهْل، وبدأوا يتصيّدون لقطة ًهنا واعلاناً هناك ، مقابلةً هنا أو شخصية جدليةً هناك،ليشكّلوا صورةً نمطيةً مضادةً لسهير الصحفية وحتى الإنسانة .
وانا هنا كوني قريباً من العملِ الصحفي والإعلامي قبلَ أنْ اكون متخصصا في الإعلام وتاثيره على الرأي العام . اقول: إنّ سهير تميّزت أعلى درجاتِ التميز، سواءً في روحِها المرحة التي أخفتها برامج السياسة، أو معلوماتها وآرائها الخاصة التي تنعدم عادةً في قراءةِ الأخبار والتغطياتِ الجادّة، استقبلتْ ضيوفَها بأريحيّة، ضحكتْ ورقصَتْ واستدرجَتْهم الى التعبيرِ عن مكامِنِ حياتِهم وسلوكِهم وربما أسرارِهم، وهو غايةُ نجاحٍ لأيّ برنامجٍ منوّع .
أمّا مايؤخذُ عليها من بينِ التصيّدِ المريض؛ كونَها استضافتْ ممثلاً في أفلام البورنو وكأنّها – حاشاها – كانت تشاركُهم عملَهم، فانّ الصحفيَّ والإعلامي يلتقي بكلّ الناس، كباراً وصغاراً ، مبدعين أسوياء أو مجرمين شواذاً، لان مهمتَه الأخلاقية هو عرضُ هذه النماذج التي تتسلّلُ سرّاً الى الناسِ على الملأ، لتعرفَ كيف يفكّرون وماهي مشاكلُهم ولماذا هم هكذا؟ ولا اظنّ أنّ أحداً على الاطلاق لاتعنيهِ هذه الأسئلة التي تتبادرُ الى الأذهان قبلَ أن يطرحَها مقدّمُ البَرنامَج .
نجحتْ سهير كأيقونةٍ عراقيةٍ عربية، ونموذجٍ للصحفيةِ الناجحةِ بمعاييرِ الإعلامِ المحترف؛الذي كشَفَ عن امكانياتٍ كامنة لم تظهَرْ بحكمِ طبيعةِ عملِها السابقْ ، لاسيما وأنّ الحوارَ الثقافيّ والفنيَّ والفكري، ليس كما يُتصوّر بأنّه مرتبةٌ أدنى من الحوارِ السياسي. على العكسِ تماماً،الحوار الثقافي الفني والفكري الصحيح يتطلبُ مهاراتٍ وثقافة ًأكثرَ سعةً من الحوارِ السياسي الذي تحوّل الى سوقٍ للأفكارِ المستعملة، يجهد الصحفيون ليجعلوا منه مثيراً ومجدياً .
شكراً سهير لانّك كنتِ في ( شو) اكثرَ من صحفيةٍ مطمورةٍ بينَ أكداس نشراتِ الاخبار وأنفاقِ السياسةِ المغلقة، وقمتِ بثورةٍ داخلَ النفس، انتجتْ لنا برنامجاً جميلاً مفيداً ممتعاً منوعاً.