في مسارها الاجتماعي ممكن ان تطرأ على الشخصية العراقية الكثير من التبدلات والتحولات حيث كتب الدكتور علي الوردي قبل اكثر من 50 عاما عن صفات الشخصية العراقية ووضعها في اطار الصراع بين البداوة والحضارة ( حيث تجد العراقي يستعمل التكنلوجيا ويلبس لباس مدني ويسكن في منازل حديثة لكنه مثلا لا يسمح لاحد ان يتزوج من بنت عمه ويجبرها ان تتزوج منه ‘ اذا اختلفت معه لاي سبب ممكن ان يگاومك عشائريا ‘ ويطلب منك فصل عشائري ‘ انصر اخاك ظالما او مظلوما .. الخ ). خلقت هذه الحالة فجوة وقطيعة كبيرة في مستوى فهمه للقيم. تحتاج هذه القضية الى هزة فكرية تعيد دمجه بالعالم وبفكر التنوير والحداثة من اجل ان تضيق الفجوة . كذلك ما يساعد على تضييق الفجوة هو ثراء المجتمع فكريا ‘ والثراء يأتي من وجود المحركات الفكرية والمعرفية والثقافية . في عام 1951 كانت للوردي محاضرة تحولت الى بحث عن الشخصية العراقية وكان ذلك في زمن الملكية . كتب كتاب اخر في زمن الجمهورية عام 1965( دراسات في طبيعة الشخصية العراقية ).

خلال الخمسين سنة حصلت تغييرات كبيرة وطوفانات اجتماعية وسياسية ونفسية ومر المجتمع بحروب كثيرة وحصار ودكتاتورية وكان لهذه الظروف اسقاطاتها على طبيعة الشخصية العراقية . بمعنى اصح الشخصية العراقية ليست جوهرا ثابتا وانما تتفاعل مع المحيط والبيئة والظروف . مما يمكن الاشارة اليه انه لا توجد دراسات حديثة عن الشخصية العراقية تتجاوز ما طرحه الوردي . الشخصية العراقية بالعموم شخصية صعبة فهو كما يقول الجواهري ( تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه والندى) وهذا البيت من الشعر يوجز ان العراقي يرتد دائما الى الحلول الصفرية ( اما كل شي او لا شي ) وهكذا منطق في العمل السياسي لا يمشي لذلك العراقييون عادة لا يتفاهمون سياسيا بسبب انهم رهينة هذه الحالة النفسية. الشخصية العراقية مثالية ‘ جدلية (نتحدث عن الدين لكننا لا نطبق مبادىء الدين ).

هناك قضية التغالب المجتمعي ‘ وهي قضية لها جذور عشائرية وبدوية مرتبطة بالكرم والمروءة ‘ وحسن الضيافة ‘ ومساعدة الضيف ‘ لكن بنفس الوقت ترتبط بالثأر والغزو . بمعنى اصح فيها جوانب ايجابية وسلبية ‘ ولان السياسة هي نتاج مجتمعي اخذنا من التغالب ما هو سلبي واسقطناه على وضعنا السياسي فحصل صراع عنيف على السلطة ( حيث كل جهة سياسية تريد ان تتغلب على الجهة الاخرى ) وتدخل هنا الشطارة والحيلة والمناورة. بمعنى اصح استعمال كل القوانين الشرعية وغير الشرعية من اجل الوصول للهدف السياسي. يشبهون الشخصية العراقية مثل ( نار الحلفاء ) عنيفة ‘ سريعة الاشتعال وسريعة الانطفاء . تثور بسرعة وتهدأ بسرعة . شخصية طيبة لكنها بسبب تراكم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقمع والارهاب والصراعات القومية واللغوية والطائفية جعلت منها شخصية متحفزة ومتوترة وسريعة الغضب .

ولو توفرت لهذه الشخصية الظروف المناسبة لابدعت والدليل ان العراقيين في الخارج يتفوقون في كل مرافق المعرفة والعلوم والدراسات والفنون برز الكثير منهم بوصفهم علماء واطباء وادباء ومتخصصين في علوم شتى . اذن الاستقرار النوعي يساعد على ظهور شخصية عراقية متميزة وهذا ما نفتخر به اليوم حينما نسمع عن شخصيات بارزة في الخارج تحقق ما لم يحققه ابناء تلك البلدان الاصليون. وعليه فأن المجتمع السياسي غير المستقر يفرز شخصية غير مستقرة والمجتمع المستقر سياسيا يفرز شخصية مستقرة ومتوازنة.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *