أن ما طرحه الاستاذ المفكر فاضل الربيعي في سلسلة مؤلفاته في إطار مشروعه الفكري فلسطين المتخيلة واسرائيل المتخيلة وبعناوين مختلفة لتصحيح مفاهيم تاريخية وليثبت ان القدس ليست اورشليم وان مصر هي (ايجبت )وان مصراً اخرى كانت مسرحا للحدث التوراتي وان لقب الفرعون لم يلقب به ملوك مصر وان الفراعنة في مملكة اوسان اليمنية القديمة وان الهيكل في اليمن ولم يكن في القدس بناه شلمن اصر الاول وأعاد بنائه شلمن اصر الخامس وهما من الملوك الاشوريين وان مفردة العرب ليست لها دلالة عرقية وانما لها دلالة جغرافية وثقافية لشعوب وقبائل تعارف المفكريين على تسميتها بالشعوب السامية والجزرية تحدثوا بلغات متعددة منها العربية والعبرية والسريانية والامهرية والجعزية والعفرية وغيرها من اللغات ،وان السبي الاشوري والبابلي كان ليهود اغلبهم عرب من سرو حمير، وان اسرحدون الاشوري قد يكون الملك اليمني (كرب إيل وتر ) وأن التوراة جاءت من جزيرة العرب وان المسيح نبي عربي ، كل ذلك لايمكن عده نظرية لأن النظرية يمكن دحضها بنظرية اخرى ولكن ارى انه اكبر من ذلك انه مشروع فكري حضاري استراتيجي لمستقبل امة عريقة كانت قد انتجت للانسانية عبر مسيرتها التاريخية معرفة دينية وفلسفية وعرفت حضارات متنوعة ولغات واديان متعددة ، هي دعوة مباشرة منه بلا مزايدة أو مناقصة لاعادة أعمار تاريخ هذه الامة وتصحيح مسارات المعرفة التاريخية االموروثة التي لم يجرِ تدقيقها وخلط فيها المؤرخون بين ماهو ديني وماهو تاريخي، وبين ماهو مقدس ،وما هو مدنس وتعالوا بهما ، وبين القصة والاسطورة ، والمثلوجيا و الفلسفة ، والعامودي والافقي ، لتأتي محاولة الربيعي الجادة في التصحيح والتي تجاوز فيها كل من سبقه مستبعدا كل الاجتهادات التي دارت بدوران المصالح السياسية والاقتصادية معتمدا على منهج كلي في البحث والاستقصاء ونقد تاريخي موضوعي مدركاً تماما ان تاريخ هذه الامة كتبه مؤرخون إما منساقين للروايات الدينية وكتب التفسير ، وإما منساقين للمنهج التغريبي ، ومستشرقين بين مأخوذ بالروايات التوراتية أو متماهي مع الحركة الصهيونية ، في وقت كانت فيه هذه الامة بشعوبها المتنوعة مغيبة وتعيش حالة من التيه الحضاري بسبب رزوخها تحت نير الاحتلال الذي ما أن ينتهي يليه احتلال آخر ومنذ قرون انتهاءأً بالاستعمار الحديث وعصر الهيمنة الغربية.
اقدم الكتب
وقد اعتمد الربيعي في ابحاثه على التوراة باعتبارها من اقدم الكتب التاريخية ليفكك المفردات مرتكزا على درايته في مبنى اللغات السامية وجغرافية الممالك اليمنية القديمة ومقاربتها مع ماكتبه اليونان وماتركه البابليون والاشوريون والسبأيون والحميرون والاوسانيون وغيرها من الامبراطريات والممالك التي نشأت في جزيرة العرب وامتدادها الجغرافي من نقوش على الحجر محاولاً استنطاقها وكذلك ماتركه الاخباريون والشعراء العرب ليكشف حجم الوهم الذي طبع هذه المعرفة والزيف الذي غلفها ، والذي لم يكن وليد كتابات المستشرقين الذين ساهموا بالتاكيد في ترسيخ تلك الأوهام وسبغوا عليها طابعا علميا وجعلوا من نتائج ابحاثهم مسلمات معرفية واصبحت منهجا مدرسيا ، وانما كان ميراثا فكريا ستجد كثير منه مبني على قراءة مغلوطة للتاريخ وفوضى في جغرافية الاحداث بسسبب عوار الترجمة السبعينية للتوراة الى اليونانية والتباس ترجمتها العربية ، ورغم محاولات البعض من مؤرخين عرب ومستشرقين عبر التاريخ للتصحيح ولفت الأنظار الا ان محاولاتهم لم تصمد امام السرديات التاريخية والمخيال الثقافي والمزاج الشعبي وان تأثيرها بقي محدودا لقصور تلك المحاولات وافتقادها للمنهج والرؤية الكلية وربما ان الظروف السياسية والاجتماعية لم تكن مناسبة ولاتتحمل هكذا طروحات ، فجاءت طروحاتهم اقل من مستوى الطموح واكبر مما يستوعبه الواقع ، الا ان الاستاذ فاضل الربيعي استطاع باجتهاده ان يفك الشفرة وينتقل بالفكرة من مجرد تشكيك بالسردية التاريخية الى كشف المستور ويرتقي بها من الجدل الفكري الى البرهان المنطقي وأمسى نتاجه الفكري اليوم علامة فارقة ومحطة في مجال البحث التاريخي العربي بعد ان استطاع وضع النقاط على الحروف وسهل القراءة التاريخية بحسه الادبي وفتح بابا لمرحلة جديدة من المراجعة النقدية على اساس تلك الحقائق وبدلا من ان تكون دراسة التاريخ ادبا قصصيا جعل منها الربيعي فكرا استراتيجيا يدخل ضمن مفهوم لعبة الامم وستكون له أهمية للشعوب السامية للتعرف على الذات وبلورة هوية تاريخية لتلك الشعوب واعادة ترتيب اوراقها ومعرفة الاخر المغاير ، وكل ذلك سيؤثر حتما على ثقافاتهم الموروثة وسردياتهم التاريخية واظن ان لاشى سيبقى كما كان وسيتأسس وعي تاريخي جديد (للماقبل )و(المابعد) سيكون قادرا اذا ماتحقق على تغير الكثير من المفاهيم وربما التاريخ والجغرافيا والثقافــة.