في ذلك الزّمان، في ذلك المكان، كنتُ أكتبُ اسم (آمنة) على العشب، بين الخزامى، وأمضي، وكان الذين يسيرون خلفي، وهم من أبناء عمومتي وخؤولتي، يندهشون، فليس في قرية العكر من فتاة بهذا الإسم، كانت (آمنة) تقول لي: أنت مجنون، فأقول لها:

بكِ، فتقول: ماء نهر العكر لا يجري في نهر خريسان، أعني: قرية العكر لا تستقبل زوجات من بعقوبة، إنّك تضع نفسك في دائرة العقوبة، في ذلك المكان، في ذلك الزّمان، كانت نفسي مثل حديقة آشور بانيبال التي كانت تضمّ ثلاثمائة نوع من الورد، وكنتُ صديق العصافير، وكنتُ أتقاسم معها التّوت الذي تُغدقه علينا شجرةٌ تقع قُبالة مرقد النبيِّ دانيال، كنتُ قد زرعتُها عندما كنتُ صبيّاً، في ذلك الزّمان، عندما كان المطر ينزل ثم ترتفع الغيوم مغادرة، كنت أرتقي تلول الكريستال بحثاً عن الذّهب الذي يدّلُ عليه لمعانه الجذّاب تحت الشّمس، وهناك، عندما أكون على تلول الكريستال، تكون قرية (خشب) على مرمى وردة، أمدُّ بصري فألمح الدكتور فاضل عبّود التميمي، يجالس الشّيخ عبدالقاهر الجرجاني، فأُخمِّن أنّهما يتحاوران في تأمُّلات الجرجاني لأشعار المتنبّي في كتابيه (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة)، فأرسلُ سلامي على لسان حمامة، تعود الحمامة بالسّلامة حاملة رسالة، تقول:

دراسات مسائية

ألقاك غداً في كلِّيّة التربية، من المهم أن تدرس اللغة العربية، فقد فتحنا بابَ الدِّراسات المسائيّة، بعد أسبوع أجدُ نفسي طالباً من جديد وأنا أحبُّ الجديد، الأمرُ مختلفٌ هذه المَرَّةَ ، وأنا أحبُّ الاختلاف، ربطةُ عنقي تَخنقُني، لا، ربطةُ عنقي لا علاقةَ لها باختناقي، فما الذي يخنقني؟!

قال الأنيقُ: ستكونونَ مع السَّرديَّةِ العربيَّةِ، قلتُ كمن تفاجأَ بأمر ليس بالحسبانِ: العربيَّة؟ وابتسمت، فأحببتُ السِّرديَّةَ من أجلِ العربيَّةِ، وكثيراً ما يحبُّ الواحدُ منّا شيئاً من أجل شيءٍ آخرَ، (فرانكشتاين) ما زالَ يرتكبُ جرائمَهُ في بغدادَ، بعيداً عن عيونِ الذين يبحثونَ عنهُ، و(ريتا) التي كسَّرتْ جوزَ أيّامِ محمود درويش شوهدتْ في واشنطن مؤخراً تبحث عن حصَّتِها من ميراثِ أيّامِها القديمةِ معه، ودوائرُ العروضُ العربيِّ التي لا تدورُ إلا فوقَ مخدَّتي وتستفزِّني دائرتُها الرّابعةُ بما فيها من اشتباهٍ، ولم يعدْ هذا الاشتباهُ غريباً بعد أنْ سرى الاشتباهُ في كلِّ مكانٍ، مبتسماً أدخلُ، تراني الحدائقُ الجميلةُ بعيونِ وردِها، أُسلِّمُ عليها: صباحُ الخيرِ، صباحُ الخيرِ، أنا صديقُ الشَّوارعِ والأرصفةِ والمصاطبِ والأشجارِ والشِّعريّاتِ والطَّيِّباتِ والطَّيِّبينَ، قادمٌ من تلولِ الكريستالِ أقرأُ شعري للنسائمِ العابرةِ والعصافيرِ المزقزقةِ متجدِّداً أحبُّ المجدِّدين وأحبُّ الجِدَّ وأحنُّ إلى أيّام جَدّي متجدِّداً متجدِّداً حتّى أكونَ في لحدي.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *