‬مفردة‭ ‬دارجة‭ ‬لدى‭ ‬سكان‭ ‬البادية‭ ‬والأوساط‭ ‬الشعبية،‭ ‬بمعنى‭ ‬الحركة‭ ‬والأصوات‭ ‬المدموجة،‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬البادية‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬حركتهم‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬العشي‭ ‬لرعاية‭ ‬مواشيهم،‭ ‬أو‭ ‬الاستعداد‭ ‬للرحيل،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬بعالية‭ ‬الصوت،‭ ‬وهي‭ ‬تستخدم‭ ‬لتوضيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صوتا‭ ‬متعدد‭ ‬المصادر،‭ ‬ويذهب‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬كلمة‭ ‬شوباش‭ ‬أصلها‭ ‬قبطية‭ ‬وتطلق‭ ‬على‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬صبيحة‭ ‬زفافها‭ ‬وتعني‭ ‬العيش‭ ‬الرغيد‭ ‬وسعة‭ ‬الأمل،‭ ‬ولقد‭ ‬سمعتُ‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬لأوَّلِ‭ ‬مرَّةٍ‭ ‬عندما‭ ‬اصطحبتني‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬الى‭ ‬بساتين‭ ‬أبناء‭ ‬عمومتها‭ ‬من‭ ‬عشيرة‭ ‬بني‭ ‬تميم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كربلاء‭ ‬لحضور‭ ‬حفلة‭ ‬ختان،‭ ‬وكنتُ‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬حين‭ ‬أفقتُ‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬قرع‭ ‬الطبول‭ ‬لأجدْ‭ ‬رجلاً‭ ‬بديناً‭ ‬بوجه‭ ‬أسمر‭ ‬داكن‭ ‬يضرب‭ ‬الدمَّام‭ ‬بإيقاع‭ ‬جميل‭ ‬ويردد‭ ‬شوباش‭ .. ‬شوباش‭ ‬بينما‭ ‬امتلأت‭ ‬العباءة‭ ‬التي‭ ‬فرشها‭ ‬أمامه‭ ‬بالدراهم‭ ‬والدناينر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُرمى‭ ‬من‭ ‬أكف‭ ‬رجال‭ ‬العشيرة‭. ‬انبرى‭ ‬أحدهم‭ ‬وراح‭ ‬يهزُّ‭ ‬متنه‭ ‬برشاقةٍ‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬الطبل‭ ‬برقصة‭ ‬مثيرة‭ ‬أدهشتني،‭ ‬ثمَّ‭ ‬انخرط‭ ‬آخرون‭ ‬معهُ‭ ‬لتشتبك‭ ‬أكف‭ ‬الرجال‭ ‬بسلسلة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قوس‭ ‬وبدأت‭ ‬أقدامهم‭ ‬تدكُّ‭ ‬الأرض‭ ‬فتصاعد‭ ‬منها‭ ‬الغبار‭ ‬لشدَّة‭ ‬وقع‭ ‬ضرباتهم،‭ ‬فيما‭ ‬تضخَّمتْ‭ ‬أوداج‭ ‬عازف‭ ‬المزمار‭ ‬القصبي‭ ‬مثلما‭ ‬انتفخ‭ ‬خدّاه‭ ‬كبالونين،‭ ‬كان‭ ‬إيقاع‭ ‬رقصة‭ ‬‭”‬الجوبي‭” ‬قد‭ ‬ألهب‭ ‬حماس‭ ‬النسوة‭ ‬اللائي‭ ‬أطلقنَّ‭ ‬الزغاريد‭ ‬من‭ ‬حناجرهنَّ‭ ‬وحبور‭ ‬طاغ‭ ‬على‭ ‬وجوههنَّ‭ ‬ولمعان‭ ‬في‭ ‬عيونهنَّ‭ ‬التي‭ ‬يكاد‭ ‬يسيل‭ ‬منها‭ ‬الكحل‭ ‬لغلوائه،‭ ‬وإذا‭ ‬برجلٍ‭ ‬قصير‭ ‬القامة‭ ‬ممتلئ‭ ‬البدن‭ ‬أخذ‭ ‬يصدح‭ ‬بأغنية‭ “‬هلي‭ ‬أوي‭ ‬هلي‭”‬،‭ ‬كان‭ ‬لنبرة‭ ‬صوته‭ ‬الشجيَّة‭ ‬أثراً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬شغاف‭ ‬أفئدة‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬حفلة‭ ‬الختان‭ ‬المذهلة،‭ ‬ولشجن‭ ‬صوت‭ ‬المطرب‭ ‬واتقانه‭ ‬الأداء‭ ‬تحوَّل‭ ‬الفرح‭ ‬إلى‭ ‬ذرف‭ ‬دموع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬النسوة‭ ‬وكانت‭ ‬أمي‭ ‬إحداهنَّ،‭ ‬لتنتقل‭ ‬عدوى‭ ‬البكاء‭ ‬ليَ‭ ‬وبدأ‭ ‬الدمع‭ ‬يسيل‭ ‬على‭ ‬خدي‭ ‬دون‭ ‬شعور‭ ‬مني‭. ‬لقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬الآن‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬المطرب‭ ‬كان‭ ‬صوته‭ ‬يصلح‭ ‬لمراسيم‭ ‬العزاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حفلات‭ ‬الفرح،‭ ‬فلقد‭ ‬أبكى‭ ‬النسوة‭ ‬بنبرة‭ ‬صوته‭ ‬الحزينة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬الندي‭. ‬ارتميت‭ ‬بحجر‭ ‬أمي‭ ‬حين‭ ‬زمجر‭ ‬صوت‭ ‬الرصاص‭ ‬من‭ ‬مسدسات‭ ‬وبنادق‭ ‬اهتزَّتْ‭ ‬بأكف‭ ‬الرجال‭ ‬ابتهاجا‭ ‬بختان‭ ‬أبناء‭ ‬شيخ‭ ‬العشيرة،‭ ‬فتحولت‭ ‬حفلة‭ ‬الختان‭ ‬إلى‭ ‬رعب‭ ‬أمام‭ ‬ناظري،‭ ‬إذْ‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬ارتجاف‭ ‬بدني‭ ‬إلاَّ‭ ‬حين‭ ‬خمدتْ‭ ‬لعلعة‭ ‬الرصاص‭. ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬مراسيم‭ ‬الفرح‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬ليلة‭ ‬الحنّة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يجتمع‭ ‬فيها‭ ‬الأصدقاء‭ ‬مع‭ ‬العريس‭ ‬وأمامهم‭ ‬آنية‭ ‬مليئة‭ ‬بالشموع‭ ‬وأغصان‭ ‬الآس‭ ‬مع‭ ‬كوز‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬عجينة‭ ‬الحنَّاء،‭ ‬وبعد‭ ‬شوط‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬الجماعي‭ ‬لأصدقائه‭ ‬وتناول‭ ‬عشاء‭ ‬بسيط‭ ‬مؤلف‭ ‬من‭ ‬العروك‭ ‬والرشاد‭ ‬والخبز‭ ‬الحار،‭ ‬يبدأ‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بوضع‭ ‬عجينة‭ ‬الحنَّاء‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬يد‭ ‬العريس‭ ‬مصحوبة‭ ‬بزغاريد‭ ‬النسوة‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬مجاورة،‭ ‬فيما‭ ‬يبدأ‭ ‬العريس‭ ‬بلطخ‭ ‬راحات‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بالحنَّاء‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬زواجهم؛‭ ‬أما‭ ‬العروس‭ ‬فتكون‭ ‬عند‭ ‬أهلها‭ ‬وهي‭ ‬ترتدي‭ ‬فستاناً‭ ‬قشيباً‭ ‬وتجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬وهناك‭ ‬طفلتان‭ ‬بعمر‭ ‬الزهور‭ ‬يحركنَّ‭ ‬ملاءة‭ ‬بيضاء‭ ‬فوق‭ ‬رأس‭ ‬العروس‭ ‬بينما‭ ‬تقف‭ ‬أمها‭ ‬تطحن‭ ‬بقند‭ ‬السكر‭ ‬إلى‭ ‬جنبها‭ ‬حتى‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬حلاوة‭ ‬ابنتها‭ ‬العروس‭ ‬أمام‭ ‬العريس‭ ‬ليلة‭ ‬الدخلة‭ ‬وطقس‭ ‬الفرح‭ ‬هذا‭ ‬يسمّى‭ “‬ليلة‭ ‬الجلوة‭” ‬أي‭ ‬جلاء‭ ‬العروس‭ ‬من‭ ‬بيتها‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬آخر‭ ‬تمضي‭ ‬فيه‭ ‬بقية‭ ‬عمرها،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تُطلَّق‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬الطلاق‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭. ‬ومن‭ ‬طقوس‭ ‬الشوباش‭ ‬تزيين‭ ‬البيوت‭ ‬بالنشرات‭ ‬الضوئية‭ ‬الملونة‭ ‬ابتهاجا‭ ‬بعودة‭ ‬ربِّ‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬الحج،‭ ‬ومع‭ ‬وصول‭ ‬الحاج‭ ‬سالماً‭ ‬غانماً‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬حتى‭ ‬تنطلق‭ ‬الزغاريد‭ ‬وهتافات‭ ‬الرجال‭ ‬ألف‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬مع‭ ‬تبخير‭ ‬الحاج‭ ‬قبل‭ ‬دخوله‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬ونثر‭ ‬الحلوى‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬وهناك‭ ‬بعض‭ ‬العوائل‭ ‬الموسرة‭ ‬من‭ ‬تذبح‭ ‬كبشاً‭ ‬لسلامة‭ ‬وصول‭ ‬الحاج‭. ‬تلك‭ ‬طقوس‭ ‬الفرح‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬سنوات‭ ‬السبعينيات‭ ‬بدأت‭ ‬تندثر‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئاً،‭ ‬وما‭ ‬عدنا‭ ‬نسمع‭ ‬كلمة‭ ‬شوباش‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬البلاد‭ ‬نتيجة‭ ‬الأزمات‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬عسى‭ ‬أنَّ‭ ‬مطلع‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة‭ ‬نسمع‭ ‬كلمة‭ ‬شوباش‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬شماله‭ ‬حتى‭ ‬جنوبه؛‭ ‬ابتهاجاً‭ ‬بتعديل‭ ‬سُلَّم‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين؛‭ ‬وبالخلاص‭ ‬من‭ ‬اللصوص‭ ‬والفاسدين‭ ‬الذين‭ ‬أمعنوا‭ ‬بخرابهم‭ ‬للوطن؛‭ ‬ويالها‭ ‬من‭ ‬فرحة‭ ‬طالَ‭ ‬انتظارها‭ ‬كثيراً‭.‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *