(مِن أرضِ الواقع)
خِلّانٌ لي شُيَّبٌ، أولو نُهىً ومُدمِنو صَمتٍ وذوو معرِفَةٍ بالأصُول. هُمُ خلّانٌ جَوارِحُهُمُ في أصفادِ الخَبْتِ رهينةً كنبتةِ صَبّارٍ أو كعُقْلَةٍ لعاقول، ما خَلا كَفَّاً في أبدانِهمُ يرتَعشُ وعلى تَسبيحِ رَبِّهِ مَجبُول. وإنَّ عُرُوجَ خنصرِ أحدِهمُ ليَحِكَّ ذقنَاً لهُ بالشَّيبِ مخْضَوْضَلَاً مَسدُول، يعدلُ زمنَ وضوءٍ لي فَصَلاةٍ فزمنَ تسبيحٍ إحياناً قد يَطُول، ومازالَ خنصُرُ صَاحبِنا لم يَصِلْ ذقنَهُ بعدُ، وقد يكونُ نسيَ غايةَ عُروجِهِ والمَأمُول.
ولقد اقتَحمتُ عليهُمُ البابَ إذ كانوا حولَ سَاريةٍ المسجدِ كفوجٍ مُحاصرٍ ناظرٍ لنجدةٍ أو حُلول. ناديتُهُمُ؛ يا أنتُم، قد شَيَّبَنِي سُباتُكم يا مُومِيَاءَاتِ السّارية، ومثلي معكم كمثلِ «حمزةَ» إذ يَقتحِمُ عليهمُ البابَ ليأمرَهُمُ بهجرةٍ الى الحبشةِ كرَسَولٍ من الرَّسُول. ويكأنَي بكُمُ عُصبَةٌ في فيلمِ «كاوبويَ لجارلس برونسن» غُلُول، عُصبةٌ ضَجِيعةٌ في مَحطةِ قطارٍ بخاريٍّ ولصراخِ القطارِ ناظرةٌ من الفجرِ حتى الأفُول! لقد تَبَرَّمتُ من سَكْتِكُمُ وتَضَرَّمتُ من خَبتٍ لكُمُ في أفُقٍ بَعيدٍ مَجهُول. فلَأَزجُرَنَّكُمُ ضِدّاً غيرَ آسفٍ على هُسٍ فيكمُ بالهَمسِ مَعمول، وَلَأَهجُرَنَّكُمُ نِدّاً الى عَالَمٍ يَدعونَهُ النّاسُ «فَيْسَبُوُكَ» وتَسَمّونَهُ أنتُمُ «الفَيْصَبَوْل».
فتَبَشْبَشَ خِلّاني كعادتِهم من سليطِ لساني، ثُمَّ َتَهَشهَشَ صَهيلي بحنينِ نَظَرَاتِهُمُ، وتَرَشرَشَ بالبلُول، فَتَخَشْخَشَ رِدْفي بفسحةٍ في صَدرِ ساريتهِمُ بِتَكَبُّرٍ مَاثِلٍ مَحصُول. ثمَّ استَلَلتُ من جيبي جَوَّاليَ المَحمُول، بأنفةِ فارسٍ على رأسِ جيشٍ من خيولٍ، استَلَّ سيفَهُ لصدِّ زحفٍ للمَغول، فَنَقَشتُ في أيقونةِ البَحثِ بتَرنُّمٍ مُعلَنٍ غيرِ خَجُول؛ «كُروباتٍ فوقَ الخمسينَ»، مُنَقِّباً بِتَوْقٍ ومُتَرَقِّباً بِفضُول، فانهَمَرَت المَجاميعُ زخّاً ببركةِ مُحرِّكِ البحثِ «غوغوول».
ختم القبول
كانت مجاميعُ من ذُكرانٍ بالشَّيبِ مُتزَمِّلٍ، ومن إناثٍ منَ الرَّيبِ مُغزول، فاجتبَيتُ مجموعةً من «لُبنانَ» ومن فورِهِا سَمَحت ليِ بالدُّخُول، وختمَتْ على طلبِي بختمِ القُبول، فَوَلَجتُ مَلهُوفاً ألعَقُ بصَمتٍ رَتمَ ما يَنشرونَ، وأنعقُ جهرةً بشَتمِ أيامٍ مع أصنام السَّاريةِ مرَّت بخُمول، ثُمَّ لَمَحَت أحدَاجي في (الكروب) خَطباً غيرَ معقول، فَجَمَحَت أودَاجي لهُمُ بمقالةٍ ظَننتُها ضِمنَ الأصُول؛
«شُكراً لقُبولِكُمُ إيَّايَ في ألقِ حدائقَ خضرةٍ، وفلقِ ثمارِ نضرةٍ بعَبقِ الحُقول، بيدَ أنّي لن أخفيَكُمُ سِرّاً ويأَبَى السرُّ كتمَاً في أُبُطَي ويبغي نُزول؛ فقد رَأيتَنيَ مُنتعِشاً في صفحَتِكُمُ وكأنّي بأيامِ الصِّبا مَوصُول، لمَا وَجَدّتُ فيها من أحاسِيسَ في عُيُونٍ بشُجُونٍ سَاحرةٍ، ومن تضاريسَ لمُتُونٍ بفُنُونٍ آسرةٍ، وَقمنٌ لخافقي فيها أن يَلجَ ويخفقَ ويَجولَ. وأوّاه! فقد تَشَرَّقَ الشَّوقُ لديَّ من جَديد بتنهيد، وتَحَرَّقَ التَّوقُ بينَ يديَّ بتَسهيد، وتَعَرَّقَ منّي جَبينيَ الشَّريدُ رُغمَ أنَّهُ جبينٌ خَجُول. ثمَّ تَكَفْكَفَ عنّيَ التَّأنُّفَ لمّا تَألَّفَ الأفَّ لِتَأْلِيفِ ذا مَنشورِ لكمُ بِكَفٍّ كَفْكَفٍ مَعلُول. كفٌّ ليس كأكفِّ مومياواتٍ لساريةٍ أعلمُها بل كفّي بسَهوَةِ الشَّهْوَةِ مَغلول. رُبَما يا سادة قد سَهوتُ فدخلتُ في صَفحةِ ولدٍ لي مُراهقٍ وفي شَقاوةِ «الفَيْصَبَوْل» خَفِيَّاً يَصولُ وعنهُ أبداً لن يَحول، فَرُدُّوا عليَّ بتعليقٍ عن ذا انتعاشِ أو تعبيرٍ لذا الأمرِ يَؤول. أو بضَغطةِ «لايكٍ « كبديلٍ عن قرصةِ الخَدِّ أو عن أيّ شيءٍ مُعَبِّرٍ مُخضرمٍ أو بَتول، كي أعلمَ أنّي في «كروبٍ فوقَ الخمسينَ» وما بي هِكْرةٌ من خشخاش ولا سكْرةٌ من كُحُول، وأنّيَ بينَكُمُ سليمُ فكرٍ وقويمُ ذِكرٍ غيرُ ذي هِكرٍ ولا سكرٍ وعاملٌ مَعكم غيرُ مَعمُول.
ثمَّ نَقَرتُ بعدَ ذلكَ نقرَةً واحِدَةً على سُرَّةِ «النَّشْرِ» أسفلَ بَطْنِ هاتفي، وتلكَ سُرَّةٌ زرقاءُ لونُها مَصْقُولُ. ولمَّا نَقَرتُها وضَعَتِ الأمُّ حَملَها «فتم النَّشرُ» بذلول، وبلا عسرةٍ ولا صريخٍ وبلا جهدٍ مبذول. ثمَّ وقبل أن يَرتدَّ طرفيَ الى خلّانِ السَّاريةِ ذوي الشَّيبِ المَشعول، حَطَّت عليَّ أوشالٌ من تَنكيتٍ وتَبكيتٍ مفتول، وأوحالٌ من تَقبيحٍ وتَوبيخٍ مِمَّا حَمَلَتهُ السّيول.
فماذا عسانيَ إلّا أن ألومَ لسانيَ على سليطِ وَكسةٍ منهُ بحرفٍ غيرِ مسؤولٍ ولا مَأمول، وعلى عبيطِ نَكسَةِ بذرفٍ مخبولٌ غَيرُ مَغسول. ولقد كانتِ التعليقاتُ تهرعُ لتَقرعَ وتَقول؛
« لك شُو هَيدا، هَيْدا كلامٌ مَنُّو مُودِرن ومَنُّو مَعئُول، هَيدا مَهُول! عَيْب هَيْدا الكلامُ يا إستاز ومنَّك منّو مَقبول! وَرْجِينا حَضرتَك قِلة الأدب وَيْنا، وبلاها من دَروَشةٍ بدُفوفٍ وطُبول». وفجأةً…
تَجَشَّأَ «علوانُ» تَجَشُؤاً مُحترفاً بتَردُّدٍ عالٍ ومَحمُول. تَجَشُؤأً قد عَبَرَ السُّهولَ وغَمَر ما حَول حَيِّينا مِن تلُول. إنَّ علوانَ كائنٌ مُتجشِّئٌ وعلى التَّجْشِئةِ مَجبُول، وَتَردُّدُ جُشآتِهِ لنا نحنُ ثُلَّتُهُ مَقبُول، ويَقع ضمنَ نطاق تردداتِ مَسَامِعِنا ومَعقُول. وضمنَ نطاقِ الأسماكِ آذانُها لذبذبتِها مفتوحٌ غيرُ مَقفُول. لكنَّ كلابَ الصَّيدِ تَفزعُ من تَجْشِئتِهِ وتجفلُ الخيول.
خيط الحكمة
جُشأَةُ علوانَ أنقذَتني من هُجومٍ على مَنشورٍ منّي مُعْتَدٍ فَعول. شكراً لكَ حاجَّ علوانَ وسألوذُ بفِرارٍ عنهُمُ ولن أرُدَّهمُ بكلمٍ من عَيبٍ مُحَرَّمٍ مَعلول.
ما سَمِعَني «علوانَ» أو لم يشأ، بل تَنَهَّدَ تنهيدةً وهوَ يرفَعُ بخُنصُرِهِ حَشَرةً حَذوَ جَبينٍ له بزلالِ التَّعَرقِ الزَّكيِّ مَبلول، وكانَت أنفاسُهُ تدفعُ بدَندَنَةٍ وبقلبٍ سَئُول؛ «عَفوَكَ ورُحماكَ يا قَيّومَ يا خيرَ مَسؤول، ما ألطفَكَ يا أرحَمَ مَن رَحِم إذ تَرزقُ كلَّ دابَّةِ أكول، وإذ تُطعِمُ كائناً ضالٍّ على خُنصُري هذا مَحمُول.
لا ريبَ أنَّ تَنهيدةَ علوانَ لا يأتي بمثلِها إلّا مؤمِنٌ ومنَ خيطِ الحكمةِ مَعمول. وبمثلِها من تَنهيداتٍ بتولٍ قد فُتِحَت بلادُ الهندِ والسِّندِ والأندلسَ ثُمَّ بلادُ البلقانَ قبلها إستانبول. تَنهيدةُ علوانَ أَضْرَمَت إحسَاسي وأزْرَمَت أنفاسي عن خُيوطَ التَغَزُّلِ في عَوالمِ «الفَيْصَبُول». ثُمَّ دَمَعَ جبينُ علوانَ بِتَعَرُّقٍ مَعْسُول بعدَ استِنفارِ مُتَأنِّقٍ باستِغفَارٍ مَأمول، ثمَّ لَمَعَ قلبُهُ التَّقيِّ المُتَحَلِّقِ باستِحضَارِ الاستِبشَار وعنهُ غيرُ مَفصول. ثُمَّ ضَحِكَ علوانُ، وضَحِكَ لضِحْكِهِ ذاكَ الحَميمُ المُسَمّى «جَدعَانَ» وذقنُهُ معهُ مُتمايلاً كتَمايلِ البندُول، وقهقَهَ لَهم ثالِثُهم اللّئيمُ المُكَنّى» أبو عَدوانُ»، وما هو بأبي عَدوانَ بل هو «أبو عُدوانَ» ذو وَجهٍ جَعْدٍ وقَولٍ رعْدِ وحديثُهُ معَ النَّاسِ غيرُ مَوصُول، فأنزَلَ الجُفونِ وقَعَدَ شامِتاً يَقول: «عَلَيْش هَيْكي تَنقرُ الطُّبول، عَلَيْش هَيْكي تسوِّي بفَيصْبُوُلَ النَّاسِ يا مَخبول؟ «. ثُمَّ أتَمَّ أركانَ الضَحِكِ الحاجُّ «عَبطانُ» عَنخُ آمون، وذاكَ مُّعَمَّرٌ قد ضَلَّتْ وزَلَّت عَنهُ دَوراتُ الفُصُول، وقد مَلَّ وكَلَّ من طُولِ عُمُرِهِ الُبزوغُ، وعَلَّ وضَلَّ عَنهُ الأفُول. ثمَّ لملمتُ نفسي وصرختُ بهم بكلمٍ مُتبرِّمٍ مجدول؛
«أفَتَشمَتُونَ بيَ في مُصيبةِ الفَيْسَبُوك، لو أنَّ أحدَكم انضَمَّ أو شمَّ رائحةَ الفَيْصَبَوْل، بل إنَّ أحدَكم لفَمِ القبرِ أقربُ وعلى آلةِ حدباءَ مَحمُول. ويحَكم يا جنودَ برمودا الغَدّارُ بخَمول، فما كانَت فضيحَتي في مجاميعَ الفَيْصَبَوْل لتَحدثَ لومَا جَزَعي من وُجُوُمِ صُحبتِكم كأصنامٍ تَسَلَّلَت لِمسجدٍ منَ الشِّركِ طاهرٍ وعنُه مَعزول! ولَئِن لم يَنفِكُمُ إمامُ المسجدِ خارجَهُ، إنّيَ إذاً لفي شكٍّ من إيمانِهِ مُريبٍ وذَهولٌ! ولكنِ الحَقُّ والحَقَّ أقُول؛ «ما كانَ في رُدودِ «الكروبِ» عليَّ تَشْهِيرٌ ولا تَعْيِيرٌ، بل رأيتُهمُ لطَلَبي لَبُّوا وما ثَلَبُوا، ولشَغَبي هَبّوا وما سَبُّوا، ولجَلَبي نابوا وما عَابُوا، ولمنشوريَ ما منَعوا ثُمَّ بِهِ شَنَّعوا ما بين مُتفاعلٍ ومَفعول». ثمَّ انفجرتُ ضاحكاً وهتفتُ: ورَغمَ ذلكَ سيَبقَى وُجُوُمُكُم يا «بَني سَارِيةَ» أصفى لنَبضِي مِن نُجُومِ لبنانَ، وستَظلُّ جِلْفةُ أبي عُدوانَ أوفى لخَوضِي من ألفةِ «كروبِ» لبنان، وسيَظلُّ تَرَنُّمُ «توتَ عنخَ عبطانَ» أشفى لروضِي من تَنَغُّمِ ضروبِ لبنان.