النظام بالصيغة العامة ، بناء هيكلي مستقر . مجموعة متماسكة من الأجزاء المترابطة والمعتمدةعلى بعضها ،أما طبيعية وأما من صنع الانسان ،بينما النظام السياسي ،نظام اجتماعي يقوم بعدة أدوار ، أو وظائف استناداً الى سلطة مخولة أو قوة يستند اليها ،أما النظام الدولي ،فهو اطار يساعد على تحليل شكل العلاقات بين الدول ،أي نمط تفاعل بين الدول ذات النفوذ الطاغي ويكون ذا طبيعة مرحلية يعتمد على موازين قوة استراتيجية تقاد من قبل تلك الدول التي تعتقد بأنها تستحق ، ادارة الشأن الدولي على أنساق القوة من الفاعلين الدوليين وبالتالي يعتمد المشاركة أو التفاعل السلوكي بين الدول العظمى والكبري. ولا يمكن أن يكون نظام القطب الواحد ، قد يكون ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب ويقترن بمراكز ، أو قوى أساسية أو رئيسة ،ولأن العزلة ليست واردة، فبقية الدول تكون مكرهة للتعامل مع النظام الدولي السائد . وهنا يؤدي الوفاق الى بيئة تنتج النظام الدولي، بتوزيع أفقي بين الدول الأكثرتأثيرا .
إن إحدى أهم النتائج الجيوبوليتيكية لنهاية الحرب الباردة ، هي غياب ذلك التوازن الاستراتيجي الذي كان يقوم بوظيفة أداة ضبط الأمور، والمتمثل بنظام ثنائي القطبية قائم على توازن الرعب النووي بين المعسكرين الاتحاد السوفيتي انذاك والولايات المتحدة الامريكية ،ونتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي في التسعينات من القرن الماضي انفتح المجال أمام الولايات المتحدة لتسد الفراغ في الساحة الدولية مما أدى الى ظهور احتكار استراتيجي ، و بروزها قوة وحيدة مسيطرة تمتلك قدرة التدخل ،وفي هذا الاطار ظهر مصطلح « النظام العالمي الجديد» بين العبارات الاساسية التي استخدمت لتضفي الشرعية على ما سمي بحرب تحرير الكويت 1900 / 1991، لكن عناصر الخطاب التسويغي التي طرحت أثناء تلك الحرب قد تزعزعت نتيجة ازدواجية التعامل مع قضايا أخرى، الأمر الذي أدى إلى عودة صراعات القوى والتوازنات لتحل محل العلاقات الدولية من جديد . وازاء ذلك فان الفروق بين النظام الدولي والنظام العالمي الجديد هي في حقيقة الامر فروق جوهرية ، إذ ان النظام العالمي الجديد هرمي الشكل، تتربع الولايات المتحدة منفردة على قمته ، كما ان الولايات المتحدة لم تنتظر قيام نظام عالمي جديد، بل سعت الى صنع هذا النظام الذي تريده وفق رؤية استراتيجية كونية تهدف إلى الحفاظ على ما تسميه التفوق الأمريكي ، والعمل على منع ظهور قوة عظمى منافسة .
من جهة اخرى فان النظام الدولي العالمي في العصر النووي خلق تواترا خطيرا تأسيساً على ما ارتكبته الولايات المتحدة الامريكي في أستخدام القنابل الذرية ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية .
لقد كانت الحروب تاريخياً ملاذاً أخيراً في صعود الامبراطوريات وهبوطها، وفي المرحلة اللاحقة استخدمت التكنولوجيا في تقرير مصائر ، وفي تكوين ما يعرف الان بالرعب النووي الامر الذي فرض مأزق اهتراء العلاقة الاخلاقية السياسية بين تدميرية الاسلحة النووية الكاسحة من جهة والأهداف المتوخاة من جهة ثانية – وهكذا باتت آفاق أي نوع من أنواع النظام الدولي لبقاء البشرية تشترط بالنجاح تخفيف الصراع بين القوى الكبرى، من دون نقطة استخدام أي من القوتين العظميتين قدراتها العسكرية الفائقة ،وبشان النظام الدولي العالمي والعراق فقد صم نظام الامم المتحدة لمنع القوى العظمى من اللجوء القوة ، لا لشيء الا لخدمة مصالحها القومية بيد ان القوى العظمى طالما أدعت حقوقا خاصة وإن كانت لم تُمنح للآخرين سعيا لتغيير أعراف الحرب للسماح بالحق في الاستباق .لقد تصرفت ادارة بوش الأبن كما لو ان النظام الدولي المتعدد الأطراف، قد أضحى قيداً غير معقول على قدرتها على تشكيل الانظمة .. وهي اعتقدت في أوج هيمنة المحافظين الجدد في السياسة الخارجية، بأن قواعد المجتمع الدولي لا تنطبق عليها .وعندما لم تعد الولايات المتحدة تعد سيادة الاخرين مطلقة، بل يمكن أن تلغى عندما تخفق أية دولة في الوفاء بمعايير سلوكية معينة سواء أزاء ما يتعلق بالقدرة في مجال اسلحة الدمار الشامل، أو ما يتعلق بالمعايير الليبرالية لحقوق الانسان والديمقراطية، سيما وان هناك أدلة تؤيد وجهة النظر القائلة بأن الشعب الأمريكي ما زال يدعم بالفطرة أية ادارة امريكية تدافع عن قيمه .ومع كل ما قيل عن حرب أمريكا في العراق، فكيف إذن تحقق سوق الأفكار في أداء وظيفتها ؟ فمثلا قد استندت شرعنة حرب العراق 2003 11الى تأطير جعل الصراع امتداداً للحرب على الأرهاب، في حين ذلك كان متاحا بسهولة .. لكن ما يلفت الانتباه ، ان القوة الامبريالية الأحادية الطرف ، هي مدمرة اجتماعيا، ولها تداعياتها على كل من الدولة المسيطرة والعالم
. لقد جسدت حرب العراق الاشكالية للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ، وسقط في أول اختبار يواجهه …..
(ملخص محاضرة ألقاها الباحث في بيت الحكمة )