لا أُريد هنا أن أذكر الايات التي كان موضوعها أو سبب نزولها علي بن أبي طالب فقد تحدث الكثيرون عن ذلك ويكفينا حديث إبن عباس أنه قال :- “ليست آية في كتاب الله ﴿يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا﴾ إلاّ وعليّ أولها وأميرها وشريفها، …..الى اخر الحديث”1.
ولهذا حديثي سيكون عن علاقة علي (ع) بالقران الكريم فقد كان أكثر الناس بعد رسول الله (ص) تعريفاً بالقران الكريم واستخداما وتوظيفا لكتاب الله العزيز .
وليس خافياً على أحد بلاغة علي (ع) فهو تلميذ القران الكريم جسد معانيه في كل حياته ، ولكن القارئ لحديثه عن القران الكريم يجد فيه صبغةً ولوناً تفرد به عن بقية العرب ممن تحدث بذات الموضوع .
ونبدأ بالقسم الاول وهو استعراض بعض الاحاديث أو الخطب التي عرَّفَ بها القران الكريم للناس أو لنقل أنه كان عليه السلام يُذكرهم به ليبقى الكتاب حاضراً في أذهانهم وأنه من ودائع الرسول وإرثه الذي خلفه للامة كان ذلك منهجه .
فكانت الخطب أو الوصايا التي قالها ونقلت عنه والتي تشير الى القران الكريم لم تكن إشارات عابرة بل فيها من التفاصيل ما تجعل الباحث عن أسرار القران وعلومه ينشد إليها ويتفحص تلك الاحاديث والخطب لينهل منها ما يُشبع نهمه في هذه العلوم .
واجبه التعريف بالقران :-
و كانت من مهامه التعريف والتذكير بالقران الكريم وأنه يحمل هذا الأمر على عاتقه وقد تتاح لنا الفرصة لاستعراض تفسيره للقران الكريم .
لأنه يرى أنه الحارس والأمين على الشريعة الاسلامية التي أساسها القران الكريم كما وضح في خطبة طويلة في نهج البلاغة “ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَمِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ ،وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْؤُهُ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ، وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ، وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ.
فَهُوَ مَعْدِنُ الاْيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ ،وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ، وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ وَأَثَافِيُّ ،الاْسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ “1 وكما تبين من هذه الخطبة التي عرف بها القران الكريم بمعان ودلالات بحاجة الى التوقف عند كل مفردة منها لكني اختصارا للمقام والى ما اشرت اليه من نظرته لكتاب الله أنه يعتبره ( أثافِي ) الاسلام أي أساسه ،وهو كذلك .
ولم تكن هذه الخطبة الوحيدة كما نرى في نهج البلاغة وفي غيره من الكتب التي تناولت احاديثه ،ويمكن للمتتبع أن يلاحظ تركيزه على كتاب الله العزيز.
من مهام الخلافة التعريف بالقران الكريم :-
ويبدو أنَّ معظم هذه الاحاديث أو الخطب التعريفية كانت في الكوفة أثناء خلافته على الامة الاسلامية مما يوضح لنا أنها كانت لتعريف المجتمع الاسلامي البعيد عن أجواء الوحي والنزول في المدينة ومعظمهم لم ير النبي ويستمع اليه ، ولعلنا نرى دراسات تحلل هذا الأمر بشكل أعمق من خلال أصحاب الاختصاص .
ولم تشغله أمور الخلافة والفتنة والحرب على منهجه الاسلامي الرصين عن الدفاع والتعريف بالقران الكريم وكأنه يقول أن المعركة ليست معي بل ضد هذا القران فان لم اضع الأُسس التعريفية له ومنهج التعامل معه (كما سأتطرق في الجزء الثاني). وكيفية صيانته فلن يكون هناك غيري فأنا الاولى بذلك وهي وصية الرسول ” إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي” وهو الاولى باتباع وصية رسول الله ،والخلافة الاسلامية من مهامها الاساسية التعريف والدفاع عن القران الكريم .
لقد كان عليٌ -عليه السلام -حارساً للقران مدافعا وكاشفاً عنه ولا تجد مناسبة إلا وذكر فيها شيئاً عنه، أو استخدم معانيه ،بل وتجد أحاديثه وأدعيته تناغم الطريقة القرانية في عرض المسألة ليجسد الرؤية المتمثلة بأنه تلميذ بل صنو القران الكريم ،
وسأذكر بعض النصوص من دون حاجة الى شرح وتفصيل لكي لايطول بنا المقام فها هو في أحد الخطب يعرف بالقران العزيز الكتاب الذي لا اعوجاج ولا انحراف في مساره كما اشار القران الكريم الى نفسه { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا }2.و {قُرءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }3. والخطبة جاءت لتذكر بالقران الكريم والتمسك به من خلال تعريفه بأنه طوق النجاة للفرد والأُمة “عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ وَ النُّورُ الْمُبِينُ وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ وَ الرِّيُّ النَّاقِعُ‏ وَ الْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ‏ وَ النَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ وَ لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ‏ وَ لَا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ وَ وُلُوجُ السَّمْعِ‏ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَق‏”4
هكذا كانت طريقته موعظة تذكير انذار بيان لمنهج بطريقة تجعل من القارئ ينشد اليها وكأنها كلمات جاءت من السماء لينطقها وصدق إبن أبي الحديد (رحمه الله حينما وصف كلام علي بن أبي طالب فقال
“دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة» 5.
لقد كان لسانه وعمله القران الكريم فلم يفارقه ليصدق القول إنه قران ناطق
يتبع ….

1- نهج البلاغة
2- سورة النساء الاية82.
3-سورة الزمر الاية 28.
4- نهج البلاغة
5- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *