متابعة نيرة النعيمي
تتكاثر الظواهر السلبية في المجتمع إن لم نجد الوعي والإجراءات اللازمة للحد من انتشارها بكافة السبل والطرق. وظاهرة التسول إحدى الظواهر التي تعكس صورة سلبية عن المجتمع وتنهش بالكبير والصغير. فما مفهوم التسول؟ ما أسباب انتشار ظاهرة التسول وبالأخص تسول الأطفال؟ ما هي أشكال التسول وآثاره وعلاجه وإحصائياته؟ كل المعلومات اللازمة عن التسول ستجدونها في مقال التسول التالي.
حين تسير في شوارع العاصمة العراقية بغداد، ترى أطفالا وفتية من الجنسين وآخرين متقدمين في العمر يمتهنون التسول طلبا للفتات من الناس، أما إذا كنت في مطعم أو مقهى أو حتى في منزلك فسيأتيك المتسولون ليل نهار.التسول ليست ظاهرة خاصة بالعراق، بل هي في دول مختلفة، لكنها في بغداد أخذت منحى آخر، حتى دخلت شخصيات متسلطة ومافيات تتربح من إدارة شبكات للمتسولين، فضلا عن وجود آلاف من اللاجئين السوريين وآخرين من الأجانب امتهنوا التسول.
كثيرة هي الأسباب التي ساهمت في زيادة ظاهرة التسول بالعاصمة العراقية، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين حتى بلغت نسب الفقر في البلاد نحو 40% من العراقيين البالغ تعدادهم أكثر من 40 مليون نسمة، بحسب تقرير للبنك الدولي عام 2020.إضافة إلى أسباب أخرى تشمل كل أشكال الفقر الفرعية، كالبطالة أو درجة الحرمان أو التشرد وغيرها.
ظاهرة التسول ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع، والتسول إهدار لكرامة الإنسان أمام الناس، وهو بداية الطريق إلى الانحراف، فقد يدفع الشخص إلى السرقة وارتكاب الجرائم
تعريف التسول
معنى التسول: هو طلب العطية والإحسان من الأغنياء.
والمتسول: هو الإنسان الذي يتخذ من التسول وسيلة يكتسب منها ويعيش عليها.
أسباب التسول
ما هي أسباب انتشار ظاهرة التسول في المجتمع؟ لماذا يتسول الناس؟
1- ضعف الثقة بالله الذي ضمن الأرزاق للجميع.
2- انتشار الفقر في المجتمع، هو السبب الرئيسي للتسول!
3- انتشار البطالة في المجتمع.
4- غلاء المعيشة، وانتشار المظاهر واستعراض الثروات بشكل مبالغ به مما يدفع البعض للحصول على المال بأي شكل لمجاراة نمط الحياة الجديد وغلاء الأسعار.
5- بعض الأشخاص يفضلون الراحة على العمل، فيتجهون إلى التسول الذي يعتبرونه تجارة مربحة.
6- بعض الأشخاص يدفعهم المرض للتسول؛ بسبب تكلفة العلاج المرتفعة.
7- بعض المتسولين اتخذوا التسول مهنة من آبائهم، فتجد أن الأسرة تعمل بالتسول فلا يرون في ذلك عيبًا.
8- الإدمان على المخدرات، فمدمن المخدرات عندما لا يجد المال لشرائه يدفعه ذلك للتسول للحصول على المال، ويصل به الأمر لارتكاب الجرائم أيضاً.
9- قد يكون سبب التسول مرضاً نفسياً يعاني منه المتسول.
10- عدم توفر نظام حكومي قوي وشامل لرعاية كبار السن والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة مما قد يدفع البعض ممن لا يقوون على إعالة أنفسهم للتسول وطلب المال من الآخرين.
11- من أسباب انتشار التسول في السنوات الأخيرة، الحروب وما تسببه من هجرة ولجوء وتشرد وفقر وحاجة ومرض وإعاقات، ما يساهم في ازدياد ظاهرة التسول بشكل كبير.
أشكال التسول
أشكال وصور التسول في المجتمع كثيرة، ومنها:
1- استخدام البكاء والعويل من أجل جذب الناس بافتعال حادثة ما كأن يدعي بأن أمواله قد سرقت.
2- من صور التسول، انتحال بعض العاهات والأمراض عن طريق استخدام مستحضرات التجميل
3- الادعاء بطلب التبرعات من أجل بناء مسجد أو مدرسة أو ترميم بيت.
4- ادعاء المتسول إصابته بخلل عقلي من خلال التلفظ بكلمات غير مفهومة والتلويح بالإشارات.
5- استخدام الأطفال الرضع أو ذوي الاحتياجات الخاصة في عملية التسول من أجل جذب عاطفة الناس.
6- من أشكال التسول، استغلال الوثائق مثل وثائق فواتير الماء والكهرباء أو وصفات الدواء.
7- استخدام التسول كأداة لجلب المال خاصة في مواسم الأعياد أو في شهر رمضان المبارك.
ظاهرة تسول الأطفال
أصبح تسول الأطفال ظاهرة مألوفة نشاهدها عند إشارات المرور وأبواب المساجد وحتى عند أبواب المقابر! بمختلف الطرق التي ينتهجونها يظل المشهد مؤلمًا عندما تمتد يد صغيرة طلبًا للمال، بالإضافة إلى الضرر النفسي والجسدي الذي قد يتعرض له الطفل.
ومن المعلوم أن المكان الطبيعي والآمن للطفل هو البيت والمدرسة وليس الشارع.
وعندما تتعلق القضية بالطفل يجب الوقوف على المشكلة ومعرفة أسبابها وطرق حلها بمشاركة كافة الجهات المعنية للحيلولة دون عودتهم للتشرد والتسول.
ما هو حل ظاهرة التسول؟ كيف يمكن الحد من ظاهرة التسول؟
1- توعية المجتمع بمشكلة التسول عن طريق عرض برامج توعوية عن التسول ومضاره على المجتمع لكي يساعد المجتمع في مكافحته عن طريق التلفاز والصحافة واللوحات الارشادية في الطرق والمجمعات التجارية.
2- دعوة الأغنياء لدفع فريضة الزكاة والصدقة للتقليل من الفقر والحد من التسول.
3- فرض العقوبات الصارمة على جماعة المتسولين وكل من يقف خلفهم.
4- دعم الجمعيات الخيرية بالمال والمعونات لتصبح ذات قدرة على مساعدة المحتاجين وكفهم عن السؤال والتسول.
5- علاج ظاهرة التسول يتم من خلال توفير فرص عمل للمتسولين من قبل الحكومة أو الأعمال الخاصة أو تعليمهم حرفة معينة تجلب لهم المال.
6- تأمين أنظمة رعاية شاملة من قبل الحكومة لكبار السن والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة كي لا يضطروا للجوء إلى التسول.
7- توفير تسهيلات أكبر للتعليم، لأن انتشار التعليم يساهم في رفع مستوى المجتمع العلمي والثقافي والاجتماعي، فنادراً ما تجد إنساناً متعلماً يقبل على نفسه اللجوء للتسول.
آثار التسول على المجتمع
ما هي نتائج التسول وأثره على المجتمع؟
1- نشوء أضرار أخلاقية وسلوكية واجتماعية وأمنية من سرقات ونشل وفساد أخلاق وترويج مخدرات ودعارة تحت ستار التسول.
2- من نتائج التسول تشويه صورة المجتمع والتأثير على السياحة بتواجد هؤلاء المتسولين عند المساجد أو الطرقات أو إشارات المرور أو المطاعم والمستشفيات أو البنوك أو الأماكن العامة الأخرى.
3- انتشار نزوة الحصول على المال بأية طريقة، مما يشجع على الكسل وعدم الرغبة في العمل.
4- الأضرار الجسدية التي تلحق بالمتسولين خاصة الأطفال منهم، نتيجة التعرض لأشعة الشمس لوقت طويل.
5- حرمان الأطفال من حقوقهم في الأمان والاستقرار والتعليم.
6- انتشار الأمراض النفسية بسبب نشوء الأطفال المتسولين في الشوارع ورؤيتهم لغيرهم من الأطفال الذين ينعمون بحياة مريحة ومرفهة.
إحصائيات عن التسول
إليكم بعض إحصائيات التسول في الوطن العربي:
1- إحصائيات عن التسول في الجزائر: عدد المتسولين نحو 11 ألفًا و269 متسولًا على مستوى 48 محافظة جزائرية.
2- إحصائيات عن التسول في المغرب: يعود آخر إحصاء للمتسولين في المغرب إلى عام 2007، ويفيد بوجود أكثر من 195 ألف متسول.
3- إحصائيات عن التسول في السعودية: كشفت دراسات أن مدينة جدة تضم أكبر شريحة من المتسولين تم القبض عليهم، بنسبة 33%، تليها مدينة مكة المكرمة بنسبة 25.3%، ثم الرياض 19.4%، والمدينة المنورة 16.5%. في حين احتضنت الدمام أقل نسبة تسول على مستوى مدن السعودية بنسبة 4%.
4- إحصائيات عن التسول في مصر: تتباين الإحصاءات بشأن عدد المتسولين في مصر، ففي دراسات حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية تأرجحت الأرقام بين 220 ألف ومليونَين.
5- إحصائيات عن التسول في الإمارات: أما في الإمارات في عام 2015، أوقفت البلدية 393 متسولاً، بما فيهم 79 خلال شهر يونيو، الذي تزامن أيضًا مع شهر رمضان. أرقام تشير إلى أن التسول في تراجع 31% مقارنة بالعام 2014، إذ ضبطت السلطات حينذاك 549 متسولًا ووفقًا لإحصاءات رسمية صدرت قبل ما يزيد عن عام، فإن عدد المتسولين في العاصمة وحدها وصل إلى نحو 2700 متسول.
6- إحصائيات عن التسول في تونس: في تونس فاق عدد المتسولين 39 ألفًا في عام 2016.
7- إحصائيات عن التسول في الأردن: ألقت لجان مكافحة التسول التابعة لوزارة التنمية في الأردن القبض على ما يزيد عن 8000 متسولاً منذ بداية عام 2017.
كتب ودراسات عن التسول
إليكم مجموعة دراسات وكتب عن التسول:
1- كتاب أحكام المسألة (التسول) في الفقه الإسلامي، د. عبد العزيز صالح الشاوي
2- كتاب جرائم التشرد والتسول، عبد الحميد المنشاوي
3- دراسة في ظاهرة التسول، د. علي عودة الشرفات
4- المنهج النبوي في علاج التسول، د. محمد الصاحب
ختامًا، التسول لن يغني كرامتك بشيء، والعمل الشريف خير من الذل والهوان بأيادٍ مبللة بالضعف والانكسار!
في أحد مطاعم بغداد، كانت مريم (25 عاماً)، توشك على تناول البيتزا التي وصلتها للتو، حتى امتدت يد فتاة يرافقها طفل في الخامسة من عمره، تطلب منها ألفي دينار (1.5 دولار أميركي) “كانت ترتدي ملابس أنيقة، وطلبت مني المال بصوت منخفض، فاستجبتُ لها ظناً من أن الطفل تسبب بإحراجها لشراء شيء ما”.
“وما إن حصلت على النقود، حتى انتقلت لطاولة أخرى تكرر طلبها”، تضيف لينا.
ما حصل معها، مشهد متكرر ويغلب عليه طابع التجديد -إن جاز التعبير- في التسوّل. حيث تنتشر شابات بملابس أنيقة ذات ألوان زاهية، يحملن حقائب صغيرة، في شوارع بغداد، ويتجولن داخل متاجر ومقاه ومطاعم، بقصد التسوّل. وتطلب المتسولات المال “بأسلوب لطيف دون توسّل واستعطاف، كما هو المعتاد، وبعضهن يتعاملن مع الأمر كأنه وظيفة”، وفق لينا.
“أنا لا أتسوّل”
وتتبعاً لهذه الظاهرة، نلتقي الشابة ميامي (20 عاماً)، التي هربت وأختها مع والدتهما من الموصل إلى بغداد، إثر مقتل والدها في المعارك مع داعش.في البداية كانت تبيع المناديل الورقية قرب شارع تجاري، موضحة “لم تكن المهمة سهلة، إذ لا يمكنك استغلال أي مكان في الشارع ما لم تحصل على موافقة من يتواجد فيه من باعة جوالين ومتسولين”.
وتتابع: “أخبرني أحد باعة علب المياه هناك بإمكانية البقاء في هذا الشارع مع منحه مبلغاً من المال يومياً”. وتضيف إيمان أن الأمر أشبه بتأجير مكان ما، وفي حال الامتناع عن الدفع بشكل يومي، فلن يُسمح لها في هذا الشارع أو ذاك. وتحصّل يومياً حوالي 50 ألف دينار (17 دولار تقريبا)، فأغلب المارة من سائقي السيارات يتصدقون عليها بالمال مساعدة لا مقابل علب المناديل.وأثناء تسوّلها، ترتدي إيمان ثياباً أنيقة وتغطي وجهها بكمامة، وتتعامل مع أصحاب السيارات بأسلوب مهذب، وفق تعبيرها، مضيفة “أنا لا أتسوّل، هذه مهنتي كأي موظف”.وبرأيها، فإن الناس “ما عادوا يتقبلون أساليب التوسّل والرجاء والبكاء للحصول على المال، وقدرون أكثر الثياب المرتبة والجميلة”.
“استغلال الفتيات”
في نفس السياق، ترى الناشطة الحقوقية ، أن أساليب التسول الجديدة، من حيث السلوك والملابس والهيئة العامة “طريقة تحاول بها المتسولات إيصال صورة بأنهن نشأن في بيئة بعيدة عن التسول ولكن الظروف القاهرة أجبرتهن على ذلك”.
وهو بالفعل ما حدث ويحدث، إذ أن الكثير من الفتيات اللواتي يتسولن بحجة بيع ما لديهن من سلع بسيطة ورخيصة الثمن، نجدهن من عوائل لم يمتهن أفرادها في يوم ما التسول، ولكن نتيجة الحروب والأزمات والفقر والنزوح والتشرد اضطررن لذلك. كما توجد فتيات لم يتمكن من إيجاد فرص عمل مناسبة لهن، خاصة أن غالبيتهن لم يكملن تحصيلهن الدراسي، لذا نرى الكثير من الناس يتعاطفون معهن ويحاولون مساعدتهن”.
“لكن هذا لا يمنح التسول شرعية” تستدرك محسن، مشيرة إلى أن “الكثير من أفراد المافيات وعصابات الجريمة المنظمة حاولوا استغلال الفتيات الفقيرات وتوريطهن في التسول وبعض الجرائم”. وكان الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، أكد في تصريح سابق، إلقاء القبض على عصابات منظمة تقف وراء ظاهرة التسول في البلاد.
قانون العقوبات
ويعاقب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة 390/1 بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه أو كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد، وجد متسولا في الطريق العام أو في المحلات العامة، أو دخل دون إذن منزلاً أو محلاً ملحقاً لغرض التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إذا تصنّع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة أو ألحَّ في الاستجداء.
أما المادة 390/2 فتنص: “إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه احكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب مخالفة ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة أن تأمر بإيداعه مدة لا تزيد على سنة داراً للتشغيل إن كان قادراً على العمل أو بإيداعه ملجأً أو داراً للعجزة إذا كان عاجزاً عن العمل”. من جهته، يقول المحامي ، إن “المشكلة ليست في تنفيذ القوانين فحسب، بل في الظروف التي أدت إلى فعل التسول سواء للصغار أو الكبار ومن كلا الجنسيين”.
“فالقانون غير كاف، إذ يتعامل مع المتسول من كلا الجنسيين على أنه مرتكب جريمة يمكن الإفراج عنه بعد قضاء مدة الحبس، ما يعني العودة إلى التسول”، يتابع أحمد.
ويشير إلى أن الكثير ممن امتهنوا التسول يتم إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم وحبسهم وفق عقوبة القانون، ليعودوا بعد الإفراج عنهم للتسول من جديد.
ورغم استحداث قسم التسول داخل دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة للوقوف على هذا الشأن، إلا أن الأمر غير كاف، وفق أحمد.
ويقترح زنكنه على الجهات الحكومية وضع قاعدة بيانات للعائلات الفقيرة والمتعففة، من أجل معرفة إن كان التسول ظاهرة مرضية أم بداعي العوز أم تجارة مربحة.
ومن الحلول الأخرى، يضيف زنكنه للجزيرة نت أن العراق بحاجة إلى الاستثمارات الداخلية، بالإضافة لتشغيل المصانع المعطلة منذ عام 2003، لتعزيز الإنتاج الوطني من جانب وامتصاص البطالة لدى النساء والرجال من جانب آخر، حتى يتم القضاء على ظاهرة التسول.
وختم زكنه قائلا “في العراق لا توجد دراسات وبحوث مختصة عن ظاهرة التسول، ويوجد البعض منها لكن لم يتم النظر فيها أو دراستها حكوميا”، مؤكدا ضرورة دراسة الظاهرة سياسيا كونها تقف وراءها شخصيات سياسية وحزبية وأمنية، على حد قوله.
بقول: “نحن بحاجة للنظر في الظروف التي تدفع للتسول وإيجاد الحلول الواقعية من أماكن مخصصة لهم ومجهزة بكل شيء، خصوصا الفتيات، لحمايتهن من الاستغلال والتورط مع عصابات الجرائم المنظمة”.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *