بعد إعترافنا بنتائج الانتخابات، والتعامل بواقعية مع الاحجام البرلمانية التي أفرزتها، سبرى كثير منا انها مثلت حالة “إستعراضية مؤقتة” تزيد من نشوة الكتل الفائزة، ولا تعالج الخلل الذي يتطلع المواطن البسيط لإصلاحه.
هذا الوصف جاء نتيجة قراءة منطقية، لحالة التحول في طريقة تفكير الكتل السياسية وتعاطيها مع بعضها، إضافة للفهم الدقيق لعقلية الناخب العراقي، الذي يعكس الإنقسام المجتمعي الذي عززته أحداث تشرين.
المتغيرات التشرينية وما رافقها، لم تشمل جميع المساحات السياسية المشهد العراقي، وأنحصرت بالخارطة الشيعية، دون أن تسهم في حصول تغيير بقناعة الناخببن في المنطقة الغربية والشمالية.. لتبقى نفس الجهات المعروفة هي الممثل الشرعي، لجماهير المكون السني والكوردي، فكانت من ثمار الدماء التشرينة التقدم الواضح للكتلة الصدرية، على حساب بقية منافسيها في المكون الشيعي.
بما ان المكون الشيعي هو الأكبر ضمن الخارطة الاجتماعية للبلد، فيمكن القول إن استقرار الحالة السياسية، مرهون بمدى تفاهم الكتل الفائزة الممثلة له، كون المسألة خاضعة لحسابات تشترك عدة عوامل في تعقيدها.
الواقع الحالي لا يشير لحصول التفاهمات اللازمة لحلحلة الوضع، ويعود ذلك لإختلاف الفرقاء في تشخيصهم للمصلحة العليا للبلد، وتمسك طرفي “النزاع الشيعي” بما يعتقده، أو بما تمليه عليه الالتزامات، التي تفرضها التحالفات مع بقية الشركاء، دون الاكتراث للنتائج المترتبة على ذلك!
خطابات زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم جائت كحالة، تعكس قراءة خاصة للمشهد، بعيدا عن حسابات الريح والخسارة، بلحاظ انه يفتقد للحجم البرلماني الذي يمكنه، من فرض قناعات معينة على الوسط السياسي، ولا يتيح له عقد صفقات مع هذا الطرف او ذاك.
بناء على ذلك يمكن القول ان الأصوات التي منحت لمكونات الإطار التنسيقي من جهة، وما حصلت عليه الكتلة الصدرية من جهة أخرى، يمكن اعتبارها إنعكاسا لرغبة الناخب الشيعي، بغض النظر عن كثرة الملاحظات التي سجلت على الممارسة الانتخابية الاخيرة.
شهدت الأشهر الاربعة الأخيرة فعاليات جماهيرية حاشدة، تمكن الحكيم من خلالها، من أن يبعث رسائل بطريقة “الصدمة” ربما كانت غايته منها مخاطبة القوى المؤثرة في الساحتين السنية والكردية، بخطورة المنهج المعتمد في ابرام التحالفات، وأثرها السلبي على الاخلال بالتوازن المكوناتي.
ففي الأول من رجب شدد الحكيم، على عدم استفزاز مشاعر المكون الأكبر، وعاد في شعبان ليؤكد على ضرورة، الحفاظ على نسبة الشيعة في اي تحالف، بإعتبارهم مكونا اكبر كذلك أطلق في رمضان مبادرة لتقسيم الأدوار بين الأغلبية والمعارضة، وفي خطبة العيد التي أقيمت في مكتبه، دعى لإصدار وثيقة البناء الاستراتيجي للبلد.
بغض النظر عن جدوى تلك المواقف وآليات تطبيقها، والنتائج المترتبة على ذلك، وبعيدا عن قناعة بقية الأطراف بها، يمكن القول بتباين المواقف الصادرة من القوى الفاعلة، في الساحة الشيعية وخصوصا الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية.
بتحليل وضع الإطار التنسيقي، نجد انه يفتقد الخيارات التي تتيح له المناورة والاعتماد على عامل الوقت، فلا يبقى أمامه سوى القبول بما يتبناه الحكيم، او الذهاب لخيار إعادة الإنتخابات.. وتميل كفة التوقعات للخيار الأول، وإن كان خلاف ما يضمره العقل الباطني لأغلب قيادات الإطار تجاه الرجل، فالتجربة السياسية اثبتت شراسة التنافس بين قوى الإطار وتيار الحكيم، لحد كسر العظم والتراشق الإعلامي في أوقات سابقة، حين كانت اليد الطولى لمكونات الإطار، أبان تصديها مجتمعة لإدارة الدولة بشقيها السياسي والعسكري.
المزاج العام لدى أغلب ممثلي الكتلة الصدرية وقياداتها، تشير لرفض مطلق لتحذيرات الحكيم، وحجتهم في ذلك التباين في الأوزان الإنتخابية، فلا يمكن قياس الأغلبية التي يتمتع بها الصدر بمقاعده السبعين، تضاف لها بضعة من “المستقلين” يقابلها مقعدين أو ثلاث لتيار الحكمة..
إضافة لإنسجام آليات التحالف الثلاثي الذي يعد الصدر اهم أركانه “ولو ظاهريا” مع العرف الدستوري وسياقاته القانونية، فما الداعي ان تصادر حقوق الكتل الفائزة تحت عناوين لمبادرات من هنا وهناك؟
المسألة تتعلق بالنتائج المترتبة على ما ستنتجه تلك التحالفات، اكثر من تعلقها بعدم مخالفة الاطر الدستورية، فلربما تكون لغة الاستشراف حاكمة لقراءة المشهد بنظر الحكيم، وهواجسه المعلنة من نسبة تمثيل المكون الأكبر بلغة الأرقام، التي ستجعله أقلية ضمن تحالف ثلثاه السنة والإكراد، فهل سيكون قادة الكتلة الصدرية على قدر المسؤولية، ليعيدوا حساباتهم حفاظا على مصير الغالبية الشيعية، التي تصدرت المشهد بعد 2003؟ ام سيصرون على موقفهم، ويذهبون بشوط العناد وكسر الإرادة إلى اخره؟

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *