فجأة تهربُ ذاتكَ لتلتصقَ بحروفِ الكتابِ الذي تقرأهُ ,تتسللُ عبر الكلماتِ وتعطرُ نفسَها بعطرِ المعاني ولا تعود اليكَ قبل ان تتشكلَ من جديد حاملةً
معها كل المشاعرِ والأفكارِ التي يحملُها ذلك الكتاب
في نهاية الثمانينات وقعتْ بين يدي رواية فرانز كافكا (المسخ) وحالما
انتهيتُ من قراءتِها احسستُ بلزوجةٍ غريبة تجتاحُ جسدي كلهُ ,لم استطعْ
التخلصَ منها إلا بعد ان قرأت ديوانَ الحلاج عندها اصابني نوعٌ من
النقاءِ وكأنني أضمُ الكونَ كله بين يدي ,شيء من الإلهة يتسللُ الى جسدي
فيمنحُني قدرةً غريبة على احتواءِ العالم, لفهمِ الأشياء من على ظهرِ مكانٍ
اكثرُ رومانسية, وبين مسخ كافكا والهة الحلاج تشكلتْ الذات مراتٍ عدة, مرةً تلبسُ ثوبَ الشيطان وأخرى تنتفضُ على نفسها ,ذاتٌ ثورية ,ذاتٌ خائفة ,ذاتٌ عاقلة وذاتٌ رومانسية ,ذاتٌ مجنونة وذاتٌ مضطهدة ,ذاتٌ شابة وذات تمتزجُ بتعبِ الشيخوخة.
من هنا تكون القراءة اعادة لتشكيل الشخصية ,فهم العالمِ والتعاملُ معهُ على
اساسِ هذا الفهم ,الأشياءُ حولكَ تصبحُ لها معنى مختلف ,لا الوطن قبل قصائدِ محمود درويش هو نفسهُ الوطن بعد قراءة هذه القصائد ولا الانتظارُ
بعد معرفةِ غودو يشبهُ الانتظار قبل هذه المعرفة ,حتى المرأة يصنعُ منها
درويش( حسب الشيخ جعفر) شيئا اخرا اكثر روعة وجمالا .
بعض الكتبِ لا تخرجُ منها إلا بخفي حنين رغم ان الاخرين متيمٌ بها
والبعض الأخر يطبعُ حروفهُ داخلكَ وتبقى لفترةٍ طويلة وأنت تتلمسُ
روعتها .
في التسعينات ومع دخولِ الحصار اصبحنا لا نجدُ وقتا للقراءةِ ,بعد فترةٍ
يصبحُ ما قرأتهُ مجرد روابط مطبوعة في ذاتكَ لا تؤثرُ كثيرا في حياتكِ
اليومية ولكن يمكنكَ استدعائها متى ما شئت رغم انكَ لا تجدُ دائما وقتا
لهذا الاستدعاء.
الآن استدعيتُ كل هذهِ الروابط ,كانت اوراقها قديمةً ومتهرئة ولا يمكنني
تقليبها إلا بصعوبة…لكن السؤال الذي راودني
– كيفَ كانتْ ذاتي قبل كل هذه القراءات