تلعب الاوضاع السياسية السائدة داخل الدولة دورا فاعلا في تكوين الرأي العام، ففي النظم الديمقراطية تسود حرية الفكر والاعتقاد وابداء الرأي المعارض علانية بالنسبة للمسائل العامة مثار النقاش والجدل بين الجمهور، دون خوف من السلطة وإجراءاتها لان الدستور كفل حق المواطن في حرية التعبير عن الرأي.
وفي مثل هذه النظم الديمقراطية تنمو البيئة السياسية الملائمة لتعدد التنظيمات السياسية والاجتماعية المختلفة وتخلق جوا من التنافس بين الاحزاب من خلال البرامج والحلول التي تطرحها لمعالجة المشكلات العامة، حيث يسعى كل حزب منها سواء كان حاكما او معارضا إلى كسب تاييد ومساندة الرأي العام لبرامجه واطروحاته الفكرية والسياسية وبرامجه الاقتصادية.
وتسعى الحكومات الديمقراطية إلى التأثير في الرأي العام، بهدف كسب تاييد الغالبية الشعبية لمساندة خططها وبرامجها، وتلجا الحكومات إلى عدة وسائل لتحقيق ذلك منها: العمل على تنمية وزيادة الوعي السياسي لدى الجماهير، واستخدام وسائل الإعلام كاداة لشرح سياساتها وصولا للتأثير في الرأي العام وكذلك من خلال الاهتمام باستطلاعات الرأي العام.
وتساعد البيئة السياسية في النظم الديمقراطية، المبنية ركائزها على حرية الرأي والتعدد الحزبي وعدم احتكار وسائل الإعلام، في تكوين رأي عام يتسم بالعمق والاستنارة والعقلانية والثبات النسبي والوضوح والتعبير السلمي عن نفسه. وتسعى مختلف النظم السياسية إلى تدعيم شرعيتها قانونيا، وسياسيا، من خلال كسب تاييد الرأي العام، والتحرك وفق ما تعرضه من اطار عام للحركة السياسية، اذ تتحكم طبيعة النظام السياسي في تحديد مستوى العلاقة بين السلطات الحاكمة والمحكومين.
وتبرز أهمية المشاركة السياسية في عملية صنع القرار السياسي وتشكيل الرأي العام من خلال احساس المواطنين بأهمية مواجهة المشكلات والمعوقات، التي تعيق فاعلية النظام السياسي والاجتماعي وكيفية ايجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات باتاحة المجال للمشاركة الديمقراطية الواسعة للشعب في رسم السياسات العامة للدولة وصنع القرارات الوطنية المهمة. ومهما تباعدت واختلفت الآراء والتوجهات، فان رأي الأغلبية يمثل الخيار الامثل في مجمل القضايا والهموم الوطنية للخروج باستراتيجات وسياسات تتلاءم وهوية الدولة وايدلوجيتها وكيانها السياسي وموقعها على الخارطة السياسية ومقدراتها الاقتصادية.
وفي النظم الديمقراطية تحدد طبيعة النظام السائد الدور الذي يلعبه الرأي العام، ففي الديمقراطية المباشرة يكون دور الرأي العام اكبر منه في الديمقراطية النيابية، لذلك فان بعض الانظمة الديمقراطية الحديثة تحاول تدعيم نظامها النيابي ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة، وتاخذ بما يعرف بنظام الديمقراطية شبه المباشرة، وذلك لتزيد من السلطات التي تمنح للشعب، وتوسيع مدى اشراكه في الحكم، وبالتالي يزداد دور الرأي العام قوة وفاعلية.
وهذا الاهتمام بالرأي العام ماهو الا مسايرة لتطور الرأي العام، وازدياد قوته واهتمام الحكومات الديمقراطية بكسب ثقته وتاييده والاهتمام بمشاركته في العمل السياسي، حتى تكون القرارات السياسية ممثلة لاتجاهات الرأي العام.
وفي النظم الديمقراطية، تستمد الحكومات الشعبية قوتها وفاعليتها من قوة وتاييد الرأي العام لها، حيث يلعب الرأي العام في هذه النظم دورا أساسيا في العملية السياسية وقد يكون هذا الدور مباشرا او غير مباشر في صنع القرار السياسي، الا انه ياخذ في اغلب الأحيان المظهر الاخير. ويمكن ان يتم هذا الدور من خلال الانتخابات حيث ان صانعي القرارات ياخذون في اعتبارهم موقف الرأي العام، لاسيما في القرارات التي تتخذ قرب الحملات الانتخابية.
ويقوم الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية بدور الرقابة الشعبية على اعمال السلطة الحاكمة، وتاييدها اذا ماسارعت في تحقيق رغبات وامال الجماهير، واقصائها اذا ماانحرفت عن الصالح العام.
اما في الانظمة غير الديمقراطية التسلطية، التي تسيطر فيها الحكومات على أفراد الشعب وتتحكم في ارائهم وتطلعاتهم تقيد حرياتهم وتعطل حقوقهم الدستورية، وتحاول فرض نظام سياسي معين دون السماح بوجود معارضة سياسية، فانها تفرض سيطرتها بكبت الحريات ووضع القيود القانونية وغيرها على الحرية الفردية والجماعية وتفرض هيمنتها على وسائل الإعلام التي تمتلكها على الاغلب، بهدف تقييد الرأي العام ومحاولة تكوينه باسلوب يخدم اهدافها وسياساتها.
لذلك فان الرأي العام في ظل الانظمة غير الديمقراطية وبسبب تقييد الحريات في ابداء الرأي العلني وغياب الرأي الآخر وتناقض ماتقوله وسائل الإعلام، يتشكل رأي عام كامن غير ظاهر وغير عميق يمكن ان ينتقل من النقيض إلى النقيض في فترة وجيزة، ويتسم بالتذبذب، والسطحية، كما ينعدم التعاطف والتضامن والثقة والفهم بين الحكومة والشعب، وقد يعبر الرأي العام عن نفسه أحيانا بوسائل العنف.
ان الاوضاع السياسية القائمة داخل الدولة تؤثر في تكوين الرأي العام بها، فاذا كان نظام الدولة قائما على الدكتاتورية والاستبداد بالرأي والرأي العام، والاستعلاء على الجماهير واحتقارها واشاعة التعسف والارهاب، فان هذا يؤدي حتما إلى سلبية الرأي العام في الدولة، اذ يحل محله الخوف العام او السخط العام.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *