متابعة نيرة النعيمي
إذا كان تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، بتاريخ 21 مارس 2022 قد مرّ مرور الكرام على الكثير من الحكومات في العالم، فإنه يجب أن يضرب نواقيس الخطر في بلدٍ مثل العراق، يقول السيد غوتيريش: إن الهدف المتمثل في الحفاظ على 1.5 درجة مئوية يمر بمرحلة حرجة وهو في “العناية المركزة،” محذرا من أننا “نسير نائمين حول كارثة مناخية.”
والعراق خامس أكثر البلدان هشاشة تجاه التغيرات المُناخية وفق التقرير السادس للتوقعات البيئية العالمية لمنطقة غرب آسيا.
فهل أعدّ العراق عدّته للقادم من الأيام؟!
غياب الخطط
ورغم كل هذه التحذيرات العلمية الأممية والوطنية، إلا أن العراق يغيب عنه تماما رسم خطط الطوارئ العاجلة لمعالجة هذا الملف الدقيق والحسّاس، وفي تقرير العراق الأخير للمساهمات المحددة وطنيا للعراق بشأن تغير المناخ وفقا للاتفاقية الإطارية واتفاقية باريس لتغير المناخ، أشار العراق إلى أن غياب الدور البيئي ناتجٌ عن انشغال العراق بمحاربة الإرهاب، والظروف الاقتصادية الصعبة التي خلّفتها جائحة كورونا، إلا أننا يجب أن نتساءل، هل لهذه التبريرات من مكانٍ بعد أن سجل العراق أعلى إيرادات مالية من بيع النفط منذ عام 1972؟!
نذر الجفاف القادم إلى العراق
يشير التقرير السادس للتوقعات البيئية العالمية لمنطقة غرب آسيا، إلى دراسات حذرت من جفاف نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040، ورغم أن هذه الدراسات كانت مطروحة أمام العراق منذ سنوات، إلا أن الاهتمام الشعبي بمسألة التغير المناخي بدأت بقوة منذ توالي العواصف الرملية على قطاعات واسعة في البلاد صيف هذه السنة، تزامن معها حوادث جفاف لبحيرات ساوة وحمرين ونهر ديالى، وهور أبو زرك، ومساحات هائلة من الأهوار عمومًا.
إن نذر الجفاف هذه، هي رسل تحذير من كوارث أسوء، لأن الجفاف والعواصف الرملية وشح المياه، سيلقيان بثقلهما على الأمن الغذائي للمواطن العراقي، وسيؤثران بقوة في دفع العراق إلى المزيد من الفقر والهجرة، وانتشار الأوبئة والأمراض التي لم يشهدها العراق قبلا، كما سيلقي بظلاله على قطاعات العمل، والزراعة والصناعة، وتؤثر حتما في السلم والأمن الأهليين.

العراق والمرض الهولندي
يشير مصطلح المرض الهولندي، أو لعنة الموارد، لضعف الأداء الاقتصادي لدول غنية بالموارد الطبيعية، مقارنة بأخرى فقيرة لهذه الموارد.
ويؤدي الارتياح للوفرة المالية التي تجنيها البلدان من بيعها لهذه الموارد، إلى التأخر في مجالات اقتصادية أخرى، مثل الزراعة والصناعة، والسياحة. فإذا تضرر هذا المورد أثر آثارًا جسيمة على كل البلاد.
وفي العراق، فإن النفط يشكل أكثر من 90 بالمائة من إجمالي الدخل القومي، بينما تشهد قطاعاتٍ أخرى تراجعًا ملحوظًا، الزراعة مثلا، وحسب تقرير العراق الوطني السادس لاتفاقية التنوع البيولوجي لسنة 2018، شهدت انخفاضا في المساهمة بالناتج المحلي من 4.2 بالمائة عام 2013، إلى 3.1 بالمائة عام 2016.
مشروع إنعاشي
في تشرين الأول 2021 وقبيل انعقاد قمة المناخ في غلاسكو، قدم العراق، ممثلا بالسيد رئيس الجمهورية وتبناه مجلس الوزراء مشروعا للتصدي لمواجهة آثار التغيّر المُناخي، ورغم أن العراق متأخرٌ بأشواط للحاق بركب الدول التي وصلت لخطوات متميزة في هذا المضمار، إلا أننا استبشرنا خيرًا بالمشروع المكون من بنودٍ غاية في الأهمية، إلا أنه ظل حبيس أدراج السياسة ولم يُعلن عن خطوات لتنفيذه، كما أن المشروع لا يعدو كونه إعلان غير ملزم للجهات التشريعية أو التنفيذية.
أهم الحلول
بدءً يجب أن نعترف بأن التأخر في معالجة ملف التغير المناخي سيراكم الآثار الكارثية التي يخلفها، إلى أن تصل لمرحلة قد لا ينفع فيها أي تدخل بشري، وهو ما يدعوه علماء البيئة بنقاط التحول. وأن كل يوم يمر على العراق يزيد من حدة هذا الخطر لمراحل لا يعلمها إلا الله.
وأرى أن أول الحلول بتشريع قانون طوارئ لمواجهة التغيرات المناخية، وإنشاء هيئة مستقلة تُعنى بالتغير المناخي،
يتولى هذا القانون وضع أسس الهيأة المستقلة، مراعيًا أن تكون بعيدة عن أي تأثير سياسي في تشكيل رئاستها وأعضائها، وأن تكون بكامل أفرادها من الاختصاصات العلمية ذات الصلة بالمناخ، من علماء بيئة وجغرافية، وقانون واقتصاد وطاقة، ممن لهم باع بحثي في المجال.
تتولى هذه الهيأة المستقلة إصدار خطة طوارئ لثلاث فترات، سنوية وخمسية وعشرية، يجب أن تتمتع بالعلوية على كل المجالات الأخرى، وأن تضع خطة يمكن تحديد ما ينجز منها سنويا بالأرقام والنسب، لكي يسهل مراقبة تنفيذ الخطة على أرض الواقع، كما ينبغي أن تكون هذه الخطة دينامية متلائمة مع التغيرات التي ستحدث في المستقبل، إضافة إلى أن تكون موازنة تنفيذ الخطة موازنة طوارئ مستقلة عن موازنة الدولة، محددة بنسبة مئوية من الإيرادات العامة للدولة، ولاتنتظر لصرفها تشريع قانون الموازنة العامة السنوي.

يعمل الاقتصاديون في الهيئة، على الشروع بخطة لتحويل الاقتصاد إلى متعدد، لا يعتمد على مصدر وحيد، واقتصاد أخضر، يميل للاستثمار في المجالات التي تخدم البيئة، مثل الاستثمار في الصـــــــــناعات التدويرية والزراعة المستدامة، والسياحة البيــــــــــئية، والطاقة البديلة، إضافة للاستثمار بتأسيس مناطق محــــمية والغابات الاصطناعية.
ويعمل مركز بحوث متخصص من علماء البيئة، يتبع الهيئة المقترحة، على تزويد جميع قطاعات الدولة والمنظمات الدولية بأرقام دقيقة ونسب محددة للتوقعات البيئية للسنوات القادمة، وما موجود على أرض الواقع. والدور الأكبر لهذا المركز هو إتاحة هذه المعلومة لأكبر عدد ممكن من الجماهير، عن طريق وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
كما يعمل القسم القانوني، على مد جسور التعاون الدولي مع المنظمات الدولية لتأسيس عمل دولي رصين، وليفتح الباب لنيل العراق استحقاقاته من التعويضات ونقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة وفقا للاتفاقات الدولية البيئية. أما في الداخل فيقترح القسم القانوني التشريعات الضرورية لحماية البيئة العراقية. ويعمل على تأسيس محاكم بيئية يمكن أن يترافع فيها الأفراد ضد آخرين، أو ضد الحكومة كخصم.
وينبغي أن تضم الهيأة اختصاصيين في الطاقة البديلة، ولو بالتعاقد مع الاختصاصيين في البلدان الناجحة بمشاريع الطاقة البديلة.إن كلّ يوم يمرّ على العراق سيكون نتيجته سنوات ثــــــــقيلة لا نتمــــــــــنى أن تمر على بلد السواد، ونحن نتحدث عن عــــــــقود قريبة، إذ أن السنوات القادمة ستـــــــــكون أقسى وأمرّ، ورغــــــــم أن الفرصة متأخرة، إلا أن قطار الخلاص للحاق بركب العالم الأخضــــــــر مازال ينــــــــتظر، فمن يقرع الأجراس قبل حلول الكارثة؟!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *