كتاب صغير الحجم من 84 صفحة، يحتوي على 15 قصة قصيرة من مطبوعات (خيال)، كَتب مقدمته الأستاذ مشعل العبادي، لم يسهب فيها كثيرا، ليترك المجال للقارئ لاستكشاف أغوارها المملوءة باللؤلؤ و الجواهر، أين حشرتها القاصة. اكتفى فقط بذكر بعض النقاط رآها مهمة في نظره.
لم تجعل القاصة العنوان واحد من عناوين قصصها، فضّلت اختيار عنوان من عندها، صاغته بأدبية ليكون جذابا للقارئ، و له رنين خاص على سمعه تاركا ذلك الوشم، كوشم آخر قي طبلة سمع الفؤاد، راسما صداه على لوحة الأنا، لتعلقها في متحف الخيال.
الوشم و ما يحمله من إيحاءات، عند سقوط قشرة الجرح يخلده الوشم على صفحة الروح، يخزّنه صندوق الذاكرة، يطفو من حين لآخر كأنه في بحر، محمّلا معه شحنته البيضاء أو السوداء، الباردة أو الكاوية.
الصدق، الحب، الصداقة، الحيلة، النفاق، الديمقراطية، العمل، الوطن، المرأة، الرجل، المبدأ، السعادة، السياسة، الكاتب، الربيع، هي عناوين قصص هذه المجموعة، اختارتها القاصة بدقة و عناية، لتغوص من خلالها في عمق المجتمع و كهوف النفوس.
هكذا ندرك لماذا لم تجعل القاصة واحد من تلك العناوين عنوانا لمجموعتها، أولاً ليس جذابا، ثانيا يستحيل أن يشمل واحد من تلك العناوين كل أفكار المجموعة، و العنوان الرئيسي يجب أن يشمل على قدر المستطاع أفكار المجموعة القصصية.
تعمدتُ ذكر كل تلك العناوين، لأطلع القارئ على كل مواضيع القصص التي تعالجها المجموعة، تكتب العنوان قبل بداية القصة، ثم تجعل نقطتين و تكتب كلمة أخرى جنبها، من المفروض أن تكون شارحة لها، لكنها لم تكن كذلك، بل جعلتها على عكس معنى العنوان، أو كما هي في واقعنا المُر، لتظهر لنا تلك المفارقة، أو الفهم الخاطئ لتلك الفكرة السائدة في مجتمعنا،
و من خلال سرد تلك القصة، تصحيح المفهوم المعوج المقلوب على رأسه بطريقة غير مباشرة، و اعادته إلى سكته الحقيقية بعد انحرافه عنها، لتدفعه من جديد في مساره الصحيح، كل هذا في قالب أدبي قصصي جذّاب، مصحوب بإيحاءات و دلالات قوية، كمثال على ذلك قصة (المرأة: محطة)، (الرجل: مظهر)، (السعادة: مال)، و أسفل ذلك العنوان تجعل له عنوانا فرعيا كتلخيص قصير جدا جدا للقصة التي ستكتب، دون أن تنسى كتابة كلمة (الأنا) وسط ذلك التلخيص، لتفتح شهية القراءة، و تسهّل عملية هضم عمق المعنى، و طرح المفاهيم الخاطئة جانبا، ليستقر الصحيح منها في وجدان القارئ، تاركا ذلك الوشم في أناه العميق، دون أن تسقط القاصة في ذلك الارشاد أو الوعظ، الذي ينقص و يقلّل من أدبية قصصها.
من المفروض في فن القصة بصفة عامة العنوان يكون بين التلميح و التصريح، بين الكاشف و الغامض، لم نجد هذا في هذه المجموعة لأن الضرورة القصصية إقتضت ذلك، القاصة كانت بصدد تصحيح مفاهيم بطريقة أدبية اضطرتها إضافة كلمة أخرى جنب العنوان كما أسلفت، لإبراز العقدة، و محاولة توقيف الشروخ ممتدة في أسوار مجتمعنا و حياتنا اليومية، من زاوية أخرى هي محاولة جدية لتأتي بجديد يجعل القصة أكثر عمقا و إبداعا.
تأخذ معنى العنوان، تجعله محور القصة، تتخيل لها الحدث، تسرده بأسلوبها الممتع السهل دون استعمال كلمات غريبة، هَمها هو إيصال الفكرة بأسلوب أدبي قصصي شفاف، مستعملة لغة أدبية رقيقة مزخرفة بصور بلاغية قمة في جودة صياغتها و جمال وقعها على وجدان القارئ، تميل في بعض القصص إلى الخاطرة العاطفية، خاصة في بدايتها دون الخروج عن جنس القصة و حبكتها السردية، عرفت كيف توازن بين الخاطرة و القصة، و المزج بينهما دون تغلّب الخاطر على عنصر القص.
من خلال تلك القصص نلمس جيدا تمكّن القاصة من فن الخاطرة، التي من المؤكد بدأت مشوارها الأدبي بها، نجد تأثرها الكبير برومانسية و أسلوب الأديب المهجري جبران خليل جبران، نجد هذا خاصة في قصتها (الحب: تمثيل)، كما نلاحظ لمسات راقية من أشعار الشاعر أحمد مطر في قصة (الديمقراطية: حضارة).
إهتمت كثيرا القاصة بلغتها الأدبية في تراكيبها اللّغوية، نجدها تستعمل بطريقة ذكية الإستعارة، الكناية، التشبيه لتزيد من جمال نصوصها بالتالي تأثيرها على عاطفة و تفكير القارئ. الرمزية استعملتها في قصة ( الديمقراطية: حضارة) حين وضعت فكرتها على ألسنة حيوانات تتحاور بينها على طريقة ابن المقفع.
استعملت كذلك الحوار الطويل نسبيا، الذي سهّل عليها طرح أفكارها من خلال تحاور شخوص قصتها، و من حين لآخر تطرح أسئلة أثناء السرد لتحث القارئ على مواصلة القراءة و البحث عن الأجوبة، و تارة أخرى تجمع بين الحوار و السؤال.
في الأخير أقترح على القاصة أن تعيد الكتابة في بعض تلك المواضيع، بخلخلتها و هزّها بشدّة في عمقها عسى أن يسقط الجديد الآخر منها، لعل هناك مفاهيم أخرى غائبة ستشرق.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *