الخميس قبل المنصرم ، مررت بتجربة انسانية ، وددتُ عرضها على القراء الاعزاء .. هي بنت لحظتها ، لم اخطط لها ، ففي مساء ذلك اليوم ، شاء القدر ، ان انسى هاتفي المحمول في مكتبي ، وحين وصلت البيت ، علمت بالأمر، ولمعرفتي بان العمارة التي يوجد فيها المكتب ، تغلق مساء وغدا الجمعة عطلة ، فوكلت امري الى الله .. غير ان الذي حدث ، آلمني كثيرا ، وأسعدني كثيرا .. كيف ؟
يبدو ان العديد من الاقارب والاصدقاء والزملاء ، من الذين اتصلوا بي ، واعادوا الاتصال ، سمعوا رنة الهاتف ، لكنهم لم يجدوا صاحبها ، فدب القلق في ما بينهم ، واجروا اتصالات مع بعضهم ، نتج عنها زيارات لبيتي ليلة الخميس وفي صباح الجمعة ، حتى تيقنوا ان العبد الفقير لله ، بخير ، وان نسيان الهاتف كان السبب في كل الذي حدث .
ثبت لي من خلال تلك التجربة ، ان الصداقة ، لاسيما الممتدة مع العمر ، شأنها شأن السراج المضيء ليست بحاجة الي دليل ، لكن لن اخفي حدسي أن مفهوم الصداقة ، قد يختلف عند الكثيرين ، وهذا موطن القوة فيها لا موطن الضعف، لأنها تتجاوز به رؤى الذاتية المفرطة، في حين أن العرف العام للصداقة ، لا يعرف هذا الاختلاف أو هذا التجاوز إلا في أضيق نطاق. تحية لكل الاصدقاء ، الذين مثلوا حديقة حياتي ، فكانوا زهور قرنفل وورود الكاردينيا ، ، وتحف اصيلة، تزداد قيمتها كلما مضى عليها الزمن..
ان الحياة ليست طويلة لنجرب كل شيء ولا قصيرة ، لنتذكر كل شيء ، علينا ان نكون صادقين في انسانيتنا وصداقاتنا ، فالمحبة ، المقترنة بالصداقة الحقة ، إن لم تكن مصاغة ، صياغة انسانية، تتسق فيها الكلمات مع المعاني، تفقد قيمتها، وتسيء الى متلقيها بدلا من أن تثري الوجدان ، لأن من يضحي بالقيمة الانسانية في سبيل القيمة الحسية للصداقة فإنه يتنكر للقيمتين معا.
اصدقائي ، وزملائي..كم يحسدني ” البعض ” على نبلكم
.. فأنتم حقيقة طيور حب بلا اجنحة !
لكن ، تبقى عندي امنية ، وهي ان تسود قيم الصداقة والاخوة السياسيين ، بدلا من الغمز واللمز في ما بينهم !