يقرأ العراقيون بقدر أحلام اليقظة التي تشكل ظاهرة بين فئات المجتمع.. المتعلم منها والذي يفك تلافيف الخط بأناة.. فلا يخلو بيت عراقي.. حتى من كان رب الأسرة فيه غير متعلم.. من مكتبة منزلية، برغم إفتقار المنازل كلها.. على الإطلاق.. لأبسط مقومات السكن الآمن، بما فيها صندوق الإسعافات الأولية، الذي لا يتوفر حتى في بيوت الأطباء وذوي المهن الصحية.
إذن العراقيون يقدمون القراءة على الصحة، لذلك شكلت الساحة الرافدينية سوقاً معرفيةً لإستهلاك ما يؤلف المصريون.. من أدباء ومفكرين وأكاديميين، ويطبع اللبنانيون، في دور النشر التي تتخذ العراق سوقاً للكتب، دوناً عن الدول التي تقرأ باللغة العربية.. بل الثقافة العراقية مصب لمنابع الفكر والأدب و… كل ما يصدر في العالم بلغات أجنبية.. يرد مترجماً اليه، مستهدفاً أرض السواد فيلقى رواجاً بين بغداد والمحافظات وإقبالاً منقطع النظير، من شرائح المجتمع كافة…
ودار الكتب والوثائق، يطلق عليها تداولياً “المكتبة الوطنية” وربما هي تسمية سابقة.. مترسبة في ذاكرة اللسان العراقي.. أفلت بشروق “الكتب والوثائق” التي إعتمدت رسمياً وظل الناس يلهجون بما جبلوا عليه.
تعد الدار منبعاً صافياً للمكتبات العامة، المنتشرة في مدن وأقضية وقصبات العراق كافة، بواقع إثنتين في كل مدينة، بما يبلغ مجموعه حوالى عشر الى خمس عشرة مكتبة عامة في كل محافظة، أما في بغداد فالعدد يفوق الخمسين مكتبة.. للمطالعة الداخلية.. في أروقة المكتبة والإستعارة المكفولة… حصراً.
تعود المكتبات العامة.. إدارياً، الى دار الوثائق والكتب، التي تأسست في العام 1920 ومثلها مكتبات عامة في أنطقة “تخطتها العين” تقع تحت… أسفل القائمة السوسيولوجية – علم الإجتماع….
أنطقة إجتماعية تخطتها الدولة رسمياً، ولم تتخطها الثقافة، فبرغم فقر الثورة – مدينة الصدر حالياً، إلا أنها تتصدر إقبال الرواد عن المكتبات العامة في بغداد والمحافظات.
في حين عندما طلب مكي السيد جاسم.. المستشار الثقافي للزعيم عبد الكريم قاسم، إنشاء مكتبة “العباس بن الأحنف” في الثورة، سخر منه موظفو وزارة الإرشاد.. حينها، وفي نهاية العام، جاءت “العباس بن الأحنف” في المرتبة الأولى متفوقة على كل المكتبات العامة في العراق قاطبة، بعدد الرواد.. يومياً.
ومع إنتشار السوشل ميديا، ما زال العراقيون يلاحقون الإصدارات الورقية، لأنها تقليد موروث من الأساتذة الى الطلبة، ومن الأجداد والآباء الى الأبناء.. إنهم.. العراقيون.. جمجمة العرب، ومستودع العلم وخزانة الأدب، كالعنقاء، كلما تعاقبت عليها دهور الحطة إنتعشت منطلقة من رماد إحتراقها الى التحليق في فضاءات الحضارة.