الدستور عقد اجتماعي طرفاه الشعب ، أو الشعب والقابض على السلطة ، بغيره لا تقوم الدولة ناهضة ، من هنا تكون صناعة الدستور أولى محطات القابض الجديد والحاكم اجتماعا أو على انفصال ، وعلى ظلالة من ظن أن الدستور يمكن أن يكون مؤبد ، نعم قد يطول عمره ، وقد تقل تعديلاته ، وقد يتشبث بأستاره الشعب أو الحاكم ، لكن مآله الزوال ، ومصيره الاستبدال ، ومنتهاه التغيير ، مرة بسبب التقادم وأخرى لضرورات المسايرة ، وثالثة للقصور ، وقد يكون تغييره نتيجة تيامن الارادات واتفاق القرارات ، أو بقصد الاستجابات للمطالبات وإن بخست حقه أو لم تكن لحاجة أو مستلزم . لقد طال انتظار الدستور غير المؤقت في العهد الجمهوري ، حتى ظن البعض أنه لن يرى النور ، بعد أن هيمنت الدساتير المؤقتة على حكم مقدرات العراق قرابة نصف قرن من الزمان ، فكل عهد انقلابي يطيح بدستور العهد السابق ، وجميعها كانت تصب في خراج رأس الهرم ، والمبرر أنه ليس وليد الشرعية الدستورية ، لكنه مولود الشرعية الانقلابية ، ومثل هذه الدساتير كان أول دساتير الجمهورية العراقية الثانية ، بل ما كان يميز هذا الدستور أنه مصنوع في ورشة المحتل ، فكان فكرةً وصناعةً واخراجاً وافد بامتياز ، ومن أجل وضع حدٍ لهذه الازمة المحتكمة ، أبت المرجعية الدينية العليا إلا أن يُصنع أول دساتير العهد الجمهوري غير المؤقت ، في ورشة عراقية وبأيدي وطنية ، وبآليات ديمقراطية ، رافضة تدخل الاجنبي والمحتل ومن اراد بالعراق سوء . لقد ولد دستور سنة 2005والمحتل معترض ، ودباباته تجوب الشوارع ، والارهاب يرعب الشعب الآمن ، والاجل المحدد لولادته قصير ، والشريك بين مقاطع ومغتنم ، فكان الرهان الاقليمي والدولي على افشاله ، ضماناً لمشهد غامض ، ومصير محهول ، وحاكم فرد ، وشعب أسير ، وبولادة قيصرية ومخاض عسير وخسائر بشرية ، ولد أول دساتير العهد الجمهوري غير المؤقت ، وبتأييد شعبي قل نظيره ومباركة أممية ، لكن اللافت أن الوليد الجديد مذ ولد وهو يتعرض للطعن والتنكيل ، فقد هاجمه الشريك ، وشكك بوطنيته الشقيق ، وتربص به ما لا يفقه أي ساقيه أطول ، ممن لا يميز بين المصطلحات ، بل راح يُعرّض به حتى من لا يعرف مخارج الحروف.

مواضع التعديل

وحينما تسأل أين الخلل ؟ وفي أي النصوص القصور ؟ وأين يكمن الشطط ؟ وفي أي المواضع الحاجة للتعديل ؟ يقف الناقد متردداً ، والمُعرّض صامتاً ، والمهاجم ملجوماً ، والمشكك مُخرّساً . لقد ظُلمتَ دستورنا اليتيم ، وكثرت طعناتك ، وازدادت انتقاداتك ، وعُصبت بك كل فسادات الوافدين ، وفشل المتصدين ، وعمالات المتآمرين ، فكنت سبب نقص المدارس ، وقِدم المستشفيات ، وارتفاع معدلات البطالة ، وازدياد عدد الفقراء ، واضطراب الأمن ، وتشاحن الشركاء ، واختلاف المتصدين . لقد اصبحت دستورنا خصم ، وعند غيرك الحكم ، فلا بأس من الإطاحة بمصنوع بشري إذا كان في ذلك الحل ، فانت كما باقي الدساتير وسيلة لا غاية ، وحيث أخفقت في بناء الوطن ، وتسيير الدفة ، وتشكيل الحكم ، وبناء المجلس ، وانصاف الشعب ، فزوالك أولى من بقاؤك ، ورحيلك اجدى من وجودك ، واستبدالك خير من تشبثك ، لكن الخوف كله أن يُطاح بك ولن يهتدي بعدك المتصدون لبديل أفضل ، أو لا يهتدي أصلاً المختلفون الى ما يسد الفراغ . لقد هاجم الساسة والمتصدون القانون الاساسي العراقي لسنة 1925، وعصبوا به كل أخطاء المنظومة السياسية ، واسهب الفقه في تبيان قصوره ومواطن الخلل فيه ، حتى وصفوه بعراب التفرد ، ومصدر الاستبداد ، ومكمن الخلل ، فأطيح به حيث أطيح بمنظومته السياسية . وحيث قضى نحبه ، وزال أثره ، وفات نفاذه ، راح المهاجمون يترحمون ، والمنتقدون يصوبون ، والمشككون يأنون على ما فات ، ولكن لات حين مندم ، فقد فات الأوان ، ووقعت الواقعة ، وشُيّع الدستور ورحل رجالاته ، وحل المؤقت والعسكر والانقلابيون محل من رحل ، ولم يبقَ الا الانين على الماضين ، والخوف كل الخوف من الإطاحة بالقائم والدوران في فلك المؤقت والاعلان والارتجال ، وسعيد من قرأ التاريخ وأتعض به .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *