كانت محاضرتي الاولى لكل دورات كلية الدفاع الوطني بعنوان ( أصول البحث العلمي) وغير الباحثين يصعب عليهم تفسير (العلمي) فيتصوره كيمياء او فيزياء الى ان جربت هذه الطريقة وهي توجيه الأسئلة الآتية لهم والطلب اليهم برفع اليد في حالة الموافقة
من منكم يؤمن بالله ورسوله محمد (ص)؟؟ فرفعوا ايديهم الا واحدا.
من منكم يؤمن بالله ورسوله عيسى (ع)؟؟ رفع احد الطلبة يده وكان مسيحيا
من منكم يؤمن بقدسية البقرة ولو 1% ؟؟ لا احد طبعا .
هل تعلمون بأن هناك 5% تقريبا من البشر يؤمنون بقدسية البقرة ، وقبل الحكم عليهم اخبركم بأن العملاق البشري المهاتما غاندي منهم ؟؟ وفيهم الفلاسفة والعلماء ، وهم شعب طيب وخدوم ومبدع.. وأني رأيت تلك المقدسة بأم عيني تتجول في الأسواق وتأكل من سلة بطاطه صغيرة امام عجوز هندية تبيعها في سوق الخضار حتى تنهيها والعجوز اطبقت كفيها امام وجهها تقديسا للبقرة ، الا ان دموعها تنهمر لأنها ستعود الى اهلها خالية الوفاض .
هل تعلمون كيف وظف المسلمون هذه البقرة في الهند؟؟ يذبح اهل السنة بقرة في حي شيعي ليلا وعندما يصل خبر وجود (جثمان!!) لبقرة في حي الشيعة حتى ينهال مقدسي البقرة على ذلك الحي بالضرب والتنكيل ، ويثأر الشيعة .. ليس من السيخ بل من السنة فيذبحون بقرة في حي سني فيحصل لهم الأمر نفسه ، ولذلك كان في دورة القادة الاحداث التي دخلتها سبعينيات القرن الماضي (300) ضابط هندي بينهم مسلم واحد فقط ، وكانوا يعملون في المجاري والبارات وخدمة المنازل ، كما يلذ لنفر قليل في العراق ان يدهن احذية الزوار او يقبل حذاء الايراني الزائر وكأن التشيع جاء من بلاد فارس او كأن عليا (ع) وقبله جده (ص) كانوا فرسا اقحاح ، او ان النجف الاشرف وكربلاء المقدسة ايرانيتان .
اعود لأسئلتي لطلبتي : من منكم اختار دينه او مذهبه ؟؟ لا أحد بالمطلق ..عليه لماذا يتشدد الانسان تجاه شيء لم يختره بل فرض عليه بالولادة (كُلّ موْلودٍ يُولدُ على الفِطرَة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجسّانه) حديث شريف والله اعلم لأنه عن البخاري الذي كتب (بضم الكاف) صحيحه بعد رحيله بقرن ونيف ،.. انتهت الاسئلة لأقول لهم العبرة ، وهو الابتعاد عن التشدد لفكر لم نختره ، ونتشدد ضد اديان ومذاهب لم تعرض علينا ، بل ان 90% من المسلمين لم يسمعوا جملة واحدة من كتب الله المقدسة .. وأردفت بأني مثلا عندما اكتب بحثا عن الصراع العربي (الاسرائيلي) ينبغي ان انسى اني عربي مسلم وأن الصهاينة اغتصبوا فلسطين لكي اتمكن من رؤية الوضع كما هو ، وكي اتمكن من رسم قدرات الطرفين وتقييمها بدقة وهنا فقط يكون البحث علميا عدا ذلك سيكون انشاء اتفنن فيه في تعظيم قدراتنا وإخفاء مساوئنا وإظهار سوءات الآخر ، وهكذا يصاغ لدينا المقال والتغريد والتصريح .
بالتشدد للشيء نخربه ولا ندعمه ، والبلدان والأنظمة لا تبنى مثلا بأن نقول ( العراق العظيم) ونتركه الى بلاد (الكفر!!) بأربعة ملايين لاجئ ، ولو اعطانا (الكفار) المجال لهاجر كل ابناء العراق عدا الطبقة السياسية وأمراء الحروب والطوائف ، كونهم لن يجدون خزينة بلا حساب ختامي حتى في بلاد الواق واق ، ولن يجدوا بلدا (قطوفه دانية) لهم فقط بعيدا عن الحساب الا في جنات الخلد ، ولن يجدون شعبا يتظاهر مطالبا بوطن فقط فيقتلون منه الفا الا نيفا ويصيبون (30) الفا الا نيفا ، ويريدون منا ان ننسى كل ما فعلوه بنا على مدى عقدين الا نيفا ونعود الى (الحوار) والحوار على ماذا ؟؟ على تقاسم الكعكة من جديد .. كعكة من هي ؟؟ انها كعكتنا التي تقاسموها على مدى العقدين ، ويريدون الايغال في سرقتها والاستمرار في اذلالنا وإسكاتنا بالسلاح المنفلت والمال المنفلت والشعارات الزائفة والدستور المخترق والقوانين التي تطالنا ولا تطالهم ، والأوامر الديوانية التي منها ما استثنى مجلس المفوضين من تكرار الحصول على قطع اراضي متميزة من اموال الشعب .. سعر الواحدة مليار الا نيفا ، وقديما بيعت جامعة البكر بمليون دولار وهي تساوي الف مليون دولار .
وصل التشدد الاسلامي ” الدين الوحيد الذي يعترف بالكتب السماوية ورسل الله في الاديان الاخرى” .. ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )) البقرة 285.. ولكن الأمر وصل منذ عقدين الى التشكيك بالأديان الأخرى وتسميتها (شرائع) وأن النبي ابراهيم (ع) كان مسلما ، وغير ذلك الكثير مما لا مجال لذكره في مقال واحد .. ناسين او متناسين ان ((الإسلام بالمعنى العام يراد به: عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا دين الأنبياء عمومًا، قال الله -عز وجل ـ عن التوراة، وأنبياء بني إسرائيل: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}… أما الإسلام بالمعنى الخاص فيراد به: الدين الذي بعث الله نبيه محمدًا به، وجعله خاتمة الأديان… قال تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}، فهذه الآية تفيد أن الله تعالى ارتضى لهذه الأمة الإسلام دينًا، ويمكن القول ان الاسلام بالمعنى الخاص هو الذي جاء بعد نزول الذكر على النبي محمد (ص)
التشدد عموما في مجال الدين او المذهب واقصاء الآخر يتعارض مع الأيمان الواعي والتعايش المجتمعي ووحدة الاوطان وتقود لعزلة الدين او المذهب اي كان ذلك الدين او المذهب ، اما اذا تزامن مع هذا التشدد انزال الدين والمذهب من عليائهما وإقحامهما في مستنقع السياسة فأقرأ على الدين والمذهب والسياسة السلام ، وعلى حامل دين او مذهب ان لا يخلطها بالسياسة ، ويحق له ان يظهر محاسن دينه لا ان يظهر سلبيات الاديان الاخرى ويتشدد ضدها فالعربي المسلم مثلا عندما يقول “الفرس المجوس” ينسى انه من “العرب عبدة الاصنام” وأن الله اعزنا بالإسلام وحملناه اليهم .. وأستغفر الله لي ولكم .ولنتذكر دوما ان المسلم ولد مسلما وأن مقدس البقرة ولد هكذا ، ولا فضل لأحد على احد . كي نرفض الآخر ونقصيه ، وفي العراق قتلناه .
14/9/2022

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *