“سأخون وطني” هو عنوان ساخر اختاره الكاتب محمد الماغوط لمجموعة من المقالات التي نشرها في جريدة تشرين في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، ليعبر عن تدهور القيم السياسية وانحدارها بأسلوب ساخر. ما كان يقصده الماغوط كفكرة نقدية أصبح اليوم واقعًا مُعاش. و تتجسد في أشخاص يدّعون المدنية، وتستضيفهم الفضائيات، حيث يروجون للأكاذيب ويفترون على الوطن من أجل مكاسب شخصية، سواء كان ذلك حبًا بالشهرة أو رغبة في تزييف التاريخ.

لقد تحولت السخرية إلى حقيقة مريرة. يظهر لنا أحد هؤلاء “المحنكين” في إحدى الفضائيات العربية، متباهياً بتحريضه على القتل والتدمير. وبكل جرأة، يصرح علنًا أنه يفضل أن يعود ترامب إلى السلطة، ليس لأسباب سياسية أو اقتصادية، بل لأنه “لا يتردد في القتل”. بل ويستشهد باغتيال شخصيات مثل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس كإنجازات يجب أن يُفتخر بها. هذا النوع من التصريحات، الذي يتبجح بتأييد القتل دون تردد، يتجاوز فكرة الرأي السياسي المشروع ليصبح خيانة صريحة للأوطان والقيم.
علينا أن نفرق بوضوح بين حرية الرأي والخيانة. فالرأي الشخصي هو اختلاف مشروع حول قضايا يمكن مناقشتها، لكن الخيانة هي جريمة ضد الوطن وقيمه، ولا يمكن أن يُنظر إليها كوجهة نظر قابلة للنقاش أو الدفاع عنها. عندما يخرج شخص ويمجد القتل علنًا، فإنه لا يعبر عن رأي مختلف فحسب، بل يتعدى الحدود ويدخل في نطاق الإرهاب الإعلامي والحرب النفسية التي تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي.
تلك الدعوات التي تدعو لتمجيد القتلة وتبرير أفعالهم ليست إلا تجسيدًا للانحطاط الأخلاقي والانهيار القيمي. فهل أصبحنا نعيش في زمن تُرفع فيه راية الخيانة بكل جرأة وصلافة؟ وهل باتت هذه الخيانة تُبرر بشكل علني عبر الفضائيات وكأنها أمر طبيعي؟
إن الأصوات التي تجاهر بدعم القتل وتبرر الخيانة ليست مجرد تعبير عن حرية الرأي، بل هي تحدٍ صارخ لكل القيم والمبادئ التي يقوم عليها الوطن. علينا مواجهة هذه الأفكار بكل حزم، لأن التراخي في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي لا يمثل مجرد قبول ضمني للخيانة، بل هو أيضاً خطوة نحو انهيار أعمق، حيث تصبح الوطنية مجرد شعار فارغ أمام من يروج للخيانة تحت مسمى “حرية الرأي”

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *