في مشهد يُشعرك أنك تجلس في سيرك للفضائح الرخيصة وليس أمام لقاء شعري، يطل علينا علي الجنوبي، الذي يُفترض أنه “شاعر”، ليأخذنا في رحلة عبثية لم يسبق لها مثيل. يتحول ما كان يُفترض أن يكون لقاءً ثقافيًا إلى حكاية عن سكسوكة وحب شاذ لشاب أصغر منه، وكأننا أمام مشهد كوميدي مبتذل من برنامج ترفيهي رخيص. يا تُرى، هل نحن أمام “شاعر” حقيقي؟ أم بائع كلمات قرر أن يستثمر سمعته في تقديم حفل تافه؟
يبدو أن علي الجنوبي قرر أن يقدم درسًا مجانيًا في “فن صناعة الفضيحة” بدلًا من أن يُلقي علينا بعض القصائد. بمساعدة مقدم البرنامج أثير التميمي، الذي أدى دور “جامع الفضائح” بامتياز، تحوّل الحوار من منصة أدبية إلى ساحة للهراء، حيث كان أثير، بكل شغف، يتعمق في تفاصيل “الحب” الذي يعيشه علي، وكأننا في برنامج علاقات غرامية. التميمي بدا وكأنه يتسابق ليصل إلى قاع جديد من السطحية الإعلامية، في حوار لم يكتفِ بأن يكون عاديًا، بل أصبح إعلانًا مجّانيًا للتفاهة.
ثم جاءت اللحظة “الذهبية” عندما سأل علي الجنوبي بجدية تثير السخرية: “هو يحبني لو يحب شعري؟!”، وكأننا مدعوون لنغوص في مأساة حب غامضة بين “شاعر” و”سكسوكة”. إلى أين وصلنا يا ترى؟ هل أصبحت هذه هي القضايا “الشعرية” التي تُعرض على الجمهور؟ كأنما تحوّل الشعر إلى مسرحية عبثية، حيث يتصارع علي مع تسريحة شعره ويبحث عن معنى “حب حقيقي” في مرآة الزيف.
ثم تأتي الجملة الملحمية – بل لنقل، العبارة التي ترقى إلى مستوى الكوميديا السوداء – حين يذكر علي بأن الشاب قال له: “لولا خوفًا من الله لعبدتك.” بالله، هل نحن أمام شاعر؟ أم أمام بطل في مسلسل هزلي فاشل، يتقمص دورًا تافهًا لا يناسب إلا مسرحية خالية من أي معنى؟ هل هذا “الملهم” هو من يُفترض أن ينقل لنا تجربة شعرية؟ يبدو أن علي الجنوبي وأثير التميمي اتفقا سراً على تقديم “ملحمة التفاهة”.
الإعلام الذي يُفترض أن يرفع من الذائقة العامة قرر – وعلى ما يبدو بجرأة غير مسبوقة – أن يسوّق لنا هذا العرض البائس. هل تحوّلت البرامج الثقافية إلى ساحات للاستعراض الرخيص؟ هل تحولت لقاءات الشعر إلى مشاهد ترويج للسكسوكة والحب الشاذ؟ لم يعد هناك أدنى احترام لعقول الجمهور، وكأن الإعلام قرر أن يجعل من الشاشات ساحة لنشر الحماقات.
في نهاية المطاف، قدّم لنا علي الجنوبي وأثير التميمي درسًا في كيفية تحويل لقاء يُفترض أن يكون شعريًا إلى مهزلة عبثية. لقد خسر علي دوره كشخصية يُفترض بها أن تحمل رسالة شعرية، وتحوّل إلى مهرجٍ يعرض مشاهد درامية بلا مضمون، بفضل مقدم برنامج “مبدع” في استجداء الإثارة الرخيصة. والنتيجة؟ جمهورٌ يقف في ذهولٍ، يتساءل إلى أين وصلنا؟ هل هذا هو مستوى الشعر الشعبي الذي تقدمه منابر الإعلام اليوم؟ يبدو أننا نودّع آخر خيوط الذوق الأدبي على أيدي من يسوّقون التفاهة بثوب ثقافي، وكأنهم يضحكون على الذائقة العامة ويصفقون في الوقت ذاته لدفن الأدب في مقبرة الابتذال.
هكذا يختتم العرض، لنترك للكاميرا مهمة توثيق جنازة الأدب الشعبي، حيث تودّع الشاشة آخر أمل في لقاء ثقافي، وتستبدله بسخرية الحاضر المضحك المبكي.