لامني كثيرون، على ما نشرتُ في الحلقتين الماضيتين، وكان منهم دكتورنا الفاضل ابراهيم العلاف، حول كثرة المنشورات « الثقافية» من مطبوعات ، ولومهم منصبا، على ضرورة فسح المجال لمن يرغب في اصدار كتاب ، وعدم الوقوف بوجوههم فـ(الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض) وكان جوابي ان الإشارة الى شيوع ظاهرة النشر غير المدروس ، والتوقف عندها، واجب ومسؤولية كبير وخطيرة، قبل ان يقف (جيل) يحمل مؤلفات لم يقرأها سواه، مطالبا بموقع لا يستحقه، متعكزا على كتب فقيرة في المضمون، لا مثابة تؤشر لها سوى اسم يضاهي عنوان الكتاب وصورة (مؤلف) تضاهي الاسم والعنوان.
بعض من قرأت كتبهم، بإلحاح منهم، لاحظتُ إنه يرومون صعود قمة جبل صنعوه في مخيلتهم… جبل من شهرة عرجاء سرعان ما تضيع في لجة سباق الأبداع، انها والعدم سيان، وبالرغم من ذلك تجدهم يقتّرون على أنفسهم وعلى عيالهم في سبيل نشر كتاب بعنوان غريب، غرابة ما فيه من طحالب.
وهنا، لا أخجل من الاعتراف، بأننا نضعف امام كلمة مودة، ولذلك لا نستطيع ان نحرج أحداً عندما يقدم الينا كتابا (ألّفه)، مهما كان مستوى ضعفه، بالعكس تماما من دول الغرب، فهناك اذا لم تعجبهم سياسة مسؤول ما، فانهم يقذفوه بالبيض الفاسد، وإذا ألف احدهم كتاباً وشعروا بأنه دون المستوى المقبول، قالوا لكاتبه: كفى، رحمة بنا ورحمة بالقصة والشعر وبقية الفنون.
في سنوات اربعينيات وخمسينيات وحتى ستينيات القرن المنصرم، لم يكن مسموحا لأحد، مهما علا أسمه وذاع صيته بطبع كتاب ثقافي دون ان يحصل على جواز مرور من خبراء لهم باع في مختلف الاختصاصات، وعجبي الآن لشباب من الجنسين أراهم يهرولون الى طبع كتب بلهاء تزينها أغلفة مستلة من الأنترنت، وعندما تستفهم منهم متعجباً، يشيرون اليك بفخر لا يدركون خطله، بأن مادة كتبهم سبق ان نشروها في صحف محلية ، وبالبحث عن تلك الصحف تجدها، مثل ابرة خيط في غابة من صحف حديثة العهد بالمحيط الصحفي العراقي، صحف يكون المرتجع فيها مساويا لكمية الطبع!