يبدو أن العراقيين قرروا دخول اللعبة الأمريكية، متقمصين دور أنصارٍ ومناهضين لترامب، وكأن اختيار رئيسٍ في واشنطن مسألة تُغير مسار حياتهم اليومية. ترى الناس هنا منقسمين بحدة، فيخطر في بالك سؤال بسيط: هل أصبحنا ناخبين في أمريكا دون أن نعلم؟ أم أن الأمر مجرد استراحة جديدة للهروب من واقعٍ لا مكان فيه لرأي الشعب؟

في العراق، من الواضح أن الرئيس الذي يحكم بلادك ليس بيدك اختياره ولا الاعتراض عليه. اسأل نفسك، هل استشارك أحد عندما عُين محمود المشهداني رئيساً للبرلمان؟ وإذا قلت لي “البرلمان منتخب من الشعب”، فأنا أسألك: أي برلمان تقصد؟ البرلمان الذي انسحب منه سبعون نائباً ليحل محلهم نواب خاسرون، لأن اتفاقاً على تشكيل الحكومة لم يتحقق؟ ذلك البرلمان الذي، حتى بعد انتخابه، لا يمتلك معظم أعضائه تمثيلاً حقيقياً للشعب؟

إذًا، من طلب رأيك أساساً؟

ثم تعال نناقش سبب احتفالك بعودة ترامب للرئاسة. إن كنت ترى في ترامب بطلًا سيأتي لإنقاذ العراق، ويحمل في جعبته “حلولاً سحرية” تفرض سيادة القانون وتضع حداً للتدخلات الإيرانية، فأنت تعيد تكرار نفس الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون منذ 21 عاماً. يبدو أن درس الاعتماد على الخارج لا يزال عصياً على الفهم؛ فكل تجربة مررنا بها تقول إن القوى الخارجية لا تأتي إلا لتحقيق مصالحها، لا مصالحنا.

في الحقيقة، هذا ليس جديداً. تاريخ العراق مع التدخلات الأجنبية طويل، ولعلنا عشنا تجارب كافية لنعلم أن كل وعد بتحقيق الاستقرار والسيادة كان مقدمة لمزيد من الأزمات والدمار. من الاحتلال البريطاني حتى الوجود الأمريكي، لم يكن هناك تدخل خارجي في العراق إلا وكانت نتيجته المزيد من الضياع. فهل اعتقدت حقاً أن هناك من سيأتي ليرتب شؤونك الداخلية؟ أم أنك تقرأ التاريخ ولكنك تختار تجاهله؟

أنت، كمواطن عراقي، تتأثر بالسياسة الأمريكية أكثر مما تؤثر فيها، لكن يبدو أنك تصرّ على أن لك دوراً في هذه اللعبة، فتقفز من تأييد رئيسٍ إلى آخر، وكأن هذا سيجلب لك شيئاً. دعني أخبرك، حتى لو تلاقت المصالح بين العراق وأمريكا بشكلٍ أو بآخر، أنت لست من يحدد ولا يدير هذه المصالح، فما الذي يجعلك واثقاً أن مجيء رئيس أو رحيله سيغير شيئاً جوهرياً في العراق؟

أما عن تجربة الماضي، فلعلها أبلغ رسالة. حين وعدونا بأن القوات الأجنبية ستعيد الأمان، وأن التدخل الأمريكي سيحقق سيادة العراق، كانت النتيجة سنوات من الفوضى والاضطرابات التي لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم. وها أنت تعوّل من جديد، وكأنك لم تتعلم شيئاً. الرهان على الخارج لم يكن يوماً قراراً مستقلاً؛ هو ببساطة هروب من مواجهة واقعنا ومسؤولياتنا.

لذا، فإن الاحتفال بانتخاب رئيس في أمريكا، سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، يشبه تمامًا اختيار أثاث بيتكم. هذه مسائل لا يُطلب رأيك فيها، ولا تؤثر فيها في نهاية المطاف!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *