من بين استعمالات حرف (لو)عند أهل اللغة (للتمني)، وما أكثر امنياتنا، وليس بيننا من لا يتمنى، ولكن الأهداف لا تتحقق بالتمني، بل (تؤخذ الدنيا غلابا)، مثلما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته الشهيرة (سلوا قلبي) التي مدح بها رسولنا الكريم (ص)، وعبرت عنها بحس أخاذ سيدة الغناء العربي ام كلثوم التي صدق من وصفها بالهرم الرابع بوصفها اعجازا كالأهرامات التي عجز العلماء عن تفسير كيفية بنائها، وهكذا فان السيدة ظاهرة لن تتكرر على الاطلاق،، ولا أحد يختلف مع هذا الرأي الا ما ندر.
وكثيرا ما نستخدم (لو) في حياتنا اليومية، ويعني ذلك عدم رضانا عما نحن فيه، وربما يأتي ذلك من واقع بائس نريد له تغييرا يتناسب مع أمنياتنا، ولا غبار على هكذا أماني، ولكنهم يقولون : القناعة كنز لا يفنى، وما بين القناعة وعدم الرضا مسافة قد تودي بنا الى الهاوية، او ترتقي بنا للأعالي بحسب تعبير وزير التعليم العالي في النظام السابق همام عبد الخالق في جوابه بجلسة خاصة على سؤال عن مستقبل العراق في افتتاحه لكلية العلوم بجامعة ديالى، وبحسب تفسيري لأسلوبه التندري وما أوحت به حركة يديه وايماءات وجهه: اننا صاعدون نحو باب الهاوية كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش.
وتستخدم (لو)لدى عموم الكتاب وبخاصة منهم كتاب سيناريو الأعمال الدرامية كطريقة لتوليد الأفكار، ففي أحيان كثيرة يشعر الكاتب بضمنهم محدثكم بعدم وجود فكرة للكتابة، لكن هذا الشعور برأي المختصين وهميا، فالأفكار كثيرة ومتناثرة، وما عليك الا أن تخلو بنفسك، وتتهيأ للعمل، وترفع من نسبة تركيزك، هكذا كان يفعل الكاتب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، فيخلو بنفسه لمدة ست ساعات يوميا، ويضع أوراقه وقلمه على الطاولة وكأنه يمارس وظيفته الرسمية بجريدة الاهرام، المهم أن تباشر عملك، وأن تعزم على قطع المسافة بينك وطاولة الكتابة التي لا تبعد عنك سوى ثلاثة أمتار على أبعد تقدير، لكنها نفسيا قد تكون مئات الكيلو مترات، لذلك قيل في مثلنا الشعبي (ثلثين الدرب عتبة الباب)، بمعنى ان جميع الأمور تغدو متاحة عندما تعزم وتتخذ القرار.
ولكي تحصل على أفكار قل لنفسك مثلا : لو كنت مديرا للبلديات كيف اتصرف مع المتنفذين الذين يبنون العمارات الضخمة بلا اجازات بناء ؟ لو أصبحت وزيرا للتربية والتعليم كيف اعالج حالة التردي في التربية التي ما عادت تقنع بسطاء الناس ؟، ولو قدر لي ان أكون مسؤولا عن التخطيط العمراني ماهي اجراءاتي لفوضى البناء التي دمرت التصميم الأساس للمدن ؟، ويمكنك أيضا القول : لو استيقظت صباحا ووجدت نفسي مسؤولا عن الاعلام العراقي ماذا سأفعل للذين يسيئون الأدب مع الضيوف في البرامج الحوارية، وكيف أتحاشى جدرانهم الكونكريتية التي يستندون اليها للبقاء في وظائفهم ؟ ذلك ان (لو)تعطي زاوية نظر جديدة للأمور، ولك أن تستخدمها على هواك عزيزي القارىء، لكن حذار من استخدامها بقولك : لو عاد بي الزمن ثلاثين عاما الى الخلف.
لا أكتمكم ان الفكرة استهوتني، وسرعان ما خطر في بالي: لو كنت مسؤولا عن حملة التشجير التي تأتي لتحسين المناخ وتقليل الانبعاثات؟، لعاقبت أية بلدية لم تزرع الجزرات الوسطية ومقتربات الشوارع والمساحات الفارغة بين الأحياء، ولأجبرت الفلاحين والمزارعين على تسييج حقولهم بالأشجار، ولفرضت على أصحاب المحال زراعة شجرة قبالة محالهم، والأمر نفسه أمام كل بيت. ولأدخلت الأشجار من ضمن سندات العقار بأسمائها وأعدادها، ولأمرت بزراعة غابة في كل محافظة، ولدعوت الشركات الأجنبية للأستثمار بالغابات في مساحاتنا المترامية الأطراف، لا أظن ذلك صعبا ومكلفا، فقد تخلفنا وما عادت بلادنا أرض السواد، لا تنسوا ان العالم يتجه نحو الاقتصاد الأخضر.