كان ذلك في ثمانينات القرن الماضي، فحيح الرصاص يصك المسامع ليل نهار، وقوافل الشهداء تحلق، والحزن يزور كل بيت بالإكراه، والطفل يرسم في دفتره مستمتعاً ــ ببراءة ــ طائرات ودبابات وشعارات تستلهم روح المعركة.

كبر الطفل، وكبرت معه رسوماته وتطورت ادواته، وتطورت معها شعاراته التي باتت تمنحه فوقية غريبة لا تتناسب مع واقعه الذي يعيش، بعدما استمرأت حياته الحروب ولهيبها المستعر والذي لا يكاد ينطفئ في مكان حتى ينفجر في الاخرى.

بقيت المعركة وظل الصراع رفيقه الأثير!، فماذا كانت الحصيلة؟!

اجيال تشوهت ذائقتها، وتضخمت حد الانفجار ذاكرتها، ونزيف مزمن للروح لا يكاد يتوقف!

ويمر الزمان، وكلما طويت صفحة حلّت الأخرى وهي أشد منها وأقسى، وافرازات تلك الصورة البريئة التي رسمت ذات يوم في اعلى دفتر ذلك الطفل غدت تهديداً لنقاء الانسان الذي هو اليوم في خطر.

فكأنه ـ وكل أبناء جيله ووطنه ــ يمرون بحالة من الانطفاء النفسي ولكن بشكل قسري لا خيار له فيه، فتراه يتملكه بالتدرج والتراكم شعور بالبرود تجاه كل شيء، مردداً مع دوستويفسكي مقولته الشهيرة: (لو أنني أعرف كلمة أعمق من كلمة انطفأت لقلتها، أنا لم أشعر من قبل بانطفاء روحي مثلما أشعر بها الآن)!.

ولكن الحياة في ذات الوقت لا تعرف مثل هذه الاعذار، هي تتلمس معاناتك وتحاول تخفيفها، ولكنها في ذات الوقت لا تمحنك صك الغفران لتمضي ساكناً في وطنٍ ملتهب، ومنزوٍ في لحظة تحتاج منك الإقدام.فإن يقول قائل ان هذا الانطفاء إذا مر بعلاقة الإنسان بأي شيء فمن الصعب إعادة إشعالها، أقول: لا يمكن والحالة هذه القبول بذلك، فمهما كانت جذوتك خافتة عليك ان تقاتل من أجل بقائها مشتعلة.. فبدون ذلك الاشتعال لن يكتب لك وللجميع النجاة.نعم اننا اكرهنا على اطفاء شعلتنا، ولكننا مصرون على إيقادها من جديد!.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *