عاد الى الوطن ، بعد ثلاثين عاما من الغربة ، وفي اليوم الثاني لعودته ، استعجل اخوته في زيارة الى بعض الاحياء ” الجميلة ” ببغداد التي ما لازالت في مخيلته .. فهو في توق عارم لاستنشاق هواء مفعم بضوع الاشجار الكثيفة التي تزين الجزرات الوسطية ، والاغصان المتدلية من حدائق المنازل .. كان الرجل في لهفة الى زيارة مناطق : الكرادة ، زيونة ، المنصور ، العامرية ، حي تونس ، السيدية وغيرها من الاماكن التي تسكن مخيلته ، ولم تبارحها .. فهل هناك اجمل من بغداد ودجلة والبيوت الفارهة ..؟
لم يعكر اخوته ، رغبة اخيهم ومزاجه ، فبدأوا مع بدايات الصباح جولتهم في حي الكرادة ، ودلفوا الى شوارعها … لم يصدق العائد من الغربة ، ما تشاهد عيناه .. تغيير شامل في جغرافية الشوارع ، فلاحظ حجم ” التقزيم” الذي طال البيوت ، واختفاء خضرة الاشجار ، ثم تواصلت الجولة ، الى بقية مناطق العاصمة التي كانت مثل متنزه بمساحاتها الخضراء … فكان الحال نفسه ، وهنا اختفت حالة الفرح عند الرجل ، وحل معها العبوس والالم ، على ألق ضاع !
وبعد هذه الجولة ، كان السجال قائما بين الاخوة : هل ما جرى ويجري من تشويه لمعمارية بغداد ، يتم بالخفاء ، ام تحت علم و” مباركة ” امانة بغداد ودوائرها ؟ اكيد ومؤكد ان ذلك تم ، ويتم بعلم كل الجهات التي ترى ( تقزيم ) بغداد دون ان تتخذ إجراءات للحد من هذه الحالة التي انعكس استمرارها على جمالية بغداد ، كعاصمة وتأريخ .
ان ” تجريف ” المساحات الخضراء ، وتجزئة البيوت الى ( مكعبات ) للسكن ، بحجة ” الديمقراطية والحرية ” الشخصية ، تجاوزت بغداد ، واصبحت حالة عراقية بامتياز في كل المحافظات ..
وانتهى السجال ، وسط دموع العائد من الغربة ، بتساؤل الجميع .. هل انتبهنا الى ذلك ، قبل ان يغرقنا الطوفان الذي أراه آتيا بعد خمس او عشر سنوات ، فمشكل السكن في هذه المكعبات ستكون مشكلة بشر، أكثر مما هي مشكلة سكن ..!
————————————–

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *