مَن يتذكر ذلك الدفتر الصغير الذي يطلق عليه ( مذكرة الجيب) ؟ حتماً لايتذكره الا جيل الستينات والسبعينات، كنا نسجل فيه ذكرياتنا ومواعيدنا واشياء اخرى مثل الديون التي علينا او لنا ، ونحمله في جيوبنا ونحافظ عليه لانها تُخفي بين طياتها اسرارنا، وهناك دفتر صغير الحجم إذ كان ملاصقاً لتلك المذكرة الا وهو دفتر ارقام الهواتف، وكانت اسعار الدور سابقاً ترتفع وتصبح مفضلة ان كان فيها خط هاتف ارضي، و وقتذاك كنا نقطع المسافات ونتوسل باصحاب المحلات او المطاعم كي يسمحوا لنا التكلّم بالتلفون لقضاء أمر مستعجل او إرسال خبر مفرح : كزواج ، أو عزيمة، او إبلاغ عن حالة وفاة او حادث ما! ، واما الجريدة او المجلة لمَن كان يقرأها ويتابع الاخبار سياسية كانت ام اجتماعية او فنية فالحصول عليها لم يكن سهلًا ولم يكن بمستطاع الجميع شراءها فاقتصرت على المقتدرين منهم ، والذهاب إلى السينما وإذ كانت فيها المتعة والنزهة الحقيقية لتلك الأجيال لابد من ارتيادها على الأقل في الأسبوع مرتين والتلفزيون والراديو نادراً ماتجد بيت يخلو منهما ، ولاننسى المكتبة البيتية او الحكومية ، أما الرسائل والبريد والبرقيات فتلك قصة طويلة لمن عاش ذلك الزمن، كل هذه الأشياء الجميلة والمهمة وعلى الرغم من غلائها او رخصها، وصعوبة الحصول عليها او توفرها جميعها بسلبياتها وإيجابياتها، تم احتوائها واختزالها بجهاز لا يتجاوز وزنه 250 غرامًا، وسعره مناسب جداً لدرجة حتى الطفل الصغير يمتلكه وبقدر هذه الفوائد العظيمة التي جعلتنا نستغني عن كل الاشياء التي ذكرتُها وهي الهاتف الأرضي والسينما ومفكرة الجيب ودفتر التلفونات ، والمكتبة والتي أقصاهن بالضربة القاضية ، ليكن بين أيدينا صباحاً ومساءً وكأنه مصباح علاء الدين نطلب منه ما نشاء فيكون حاضراً خلال ثواني ، وبلمسات سحرية نتعرف على أصدقاء جدد ونصور لحظات من عمرنا، ونقرأ الصحف ونشاهد البث الحي لكلِّ العالم ، وقرّب لنا كل بعيد ومستحيل، ولكن هذا الجهاز وبقدر فوائده العظيمة ألا انه دمر حياتنا لان غالبية الناس ومنهم الشباب ، قد اساؤوا استخدامه بشكل سلبي فتراه يستخدمه وهو يقود سيارة او دراجة غير آبه للطريق، والتأثير السلبي لسوء الاستخدام أمتد إلى كثير من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية، وساعد في انتشار الفساد والتفكك الأسري والجريمة بأنواعها، ونشر الفتن والإشاعات، وعلى الرغم من معرفة التاثير السلبي لهذا الجهاز فان الجميع اصبح لايستغني عنه، فاحذروا من الإدمان عليه ، وأدعو الى أستخدامه بشكل صحيح وإيجابي.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *