قبل أشهر كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان ( الساعات تموت واقفة ) ، وكنت تحدثت فيه عن ساعات بغداد التي تطل علينا من أبراجها الشاهقة من دون أن يتحرك فيها ساكنا ، بدءا من ساعة القشلة ببرجها الجميل الذي ينم عن مهارة معمارية فائقة الى ساعة الجامعة المستنصرية التي يفترض بأصحابها أن يكونوا أحرص من غيرهم على الوقت ، فالعالم من حولنا يسابق الزمن تقدما وتحضرا ، وادارة الوقت صارت عندهم علما ، يكتسب فيه الناس مهارات استثمار الوقت من دون هدر ، بينما الوقت لدينا لا قيمة له أبدا ، فليس من الاستثناء أن تقضي ساعات طوال وانت حبيس زحام يكّرهك بنفسك ، وتلعن فيه الذين تعرفون ، وتصل بيتك وقد توترت أعصابك وتشنج مزاجك ، وتدعو الله الا تفقد التحكم بانفعالاتك وتلقي بجام غضبك على قيادتك العامة ، أقصد زوجتك ، وهذا التشبيه يتناسب معها أكثر من وصف ( الداخلية ) الدارج بين الناس ، فهي كفضة المعداوي بطلة مسلسل ( الراية البيضاء ) الذي أخرجه الفنان محمد فاضل ، تخشى الذبابة أن تقف على أنفها ، وبما اني أعرف العواقب الوخيمة بحسب تعبيرات مجلس الأمن الدولي ، لذلك لم يحدث أن فقدت السيطرة على أعصابي عند عودتي الى المنزل .

ولعل آخر تلك الحوادث الذي ملأتني قرفا واحباطا ويأسا من أن يكون لكثير من الناس ( جارة ) ، أي ليس لهم حلا او علاجا باللغة الفارسية والتي دخلت قاموس لهجتنا العامية وعُدت من مفرداتها الأساسية ، فبالرغم من مرور ما يقرب من الثلاثة أشهر على انجاز الجهات المعنية لمجسر مشاة جميل بمصاعد كهربائية وبألوان براقة ونشرات ضوئية زاهية ، لم أر أحدا من السابلة قد استخدمه للعبور الى الجهة الثانية من الشارع العام المزدحم بالسيارات وبمعدل سرعة يتناسب مع شارع يربط بين محافظتين ، مع انه شهد حوادث دهس عديدة آخرها وفاة استاذ جامعي متخصص بالرياضيات ، ونتيجة لخطورة هذا الشارع وتكرار حوادثه بادرت تلك الجهات لإنشائه في مدة قياسية ، ما أسعدنا كثيرا ، وأضفى على المكان رونقا ، لكن للأسف سرعان ما عطّل الأطفال مصاعده التي اتخذوها لعبة للصعود والهبوط ، وعدم وجود المتابعة خلال الأسابيع الأولى من انشائه ريثما يعتاده الأطفال . ومن باب الفضول قررت أن أعتليه بالرغم من كبر سني الذي لا يعينني كثيرا على تسلق السلالم ، واذا بي بمواجهة كارثة لم تخطر على بالي ، فقد تحول استخدامه من عبور للمشاة الى ( مرافق صحية ) يستخدمه مجموعة من أصحاب ( التكاتك ) وباعة قناني البانزين الذين يعرضون بضاعتهم بالقرب منه.

أمر مؤسف حقا أن يكون حظ غالبية أطفالنا وشبابنا من السلوك المتحضر صفرا ، ومن الوعي والثقافة فراغا ، وهكذا ظل المجسر شامخا لكنه ميت سريريا ، وينطبق هذا الأمر على جميع المجسرات حتى وان وجدت بالقرب من جامعة او مدرسة او مستشفى ، فالناس كسولة ولا مبالية بأروحها ، وتفضل عبور الشارع بمخاطره على تسلق السلالم ، في حين يسبب ذلك مواقف خطرة لسائقي المركبات الذين كثيرا ما تُدمر حياتهم وأسرهم نتيجة حوادث السير التي غالبا ما تُلقى مسؤوليتها عليهم ، وان سلموا من مخططات المرور ، فانهم لن ينجوا من العشيرة التي ستجلس لهم ( ركبة ونص ) على حد تعبيرنا العامي مقصرين كانوا او غير مقصرين .

يقودنا هذا الى التفكير : كيف نرتقي بسلوك الناس ونجعله حضاريا بضمنه استخدام هذه المجسرات داخل المدن ، بالتأكيد ان تثقيفهم بهذا الشأن يطول ، لذا لابد من اجبارهم على ذلك ، وليس عمليا ايقاف رجال المرور او منتسبي الشرطة لمراقبة الناس واجبارهم على العبور لما في ذلك من مشكلات واحراجات ، لذا فالحل يكمن في انشاء حواجز حديدية على الجزرات الوسطية لمسافات طويلة ويتعذر تسلقها بحيث يكون من السهل على المواطن استخدام المجسر بدلا عن السير لمسافات طويلة ، وبذلك نجب الناس الحوادث ، ونعيد الروح لأجساد هذه المجسرات.

[email protected]

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *