قد نتوهم احيانا كثيرة بأننا نعيش في عصور التطور والرقي الانساني الامثل. لكن حقيقة الامر عكس ذلك تماما. ببساطة، فلو اردنا مقارنة تطورنا ورقينا مع اسلافنا السابقين فسنواجه اولا الانفصال التاريخي بيننا وبينهم وقلة المعلومات التي وصلتنا عن حياتهم الا القليل النادر مما تناقلته الألسن.
فالعلوم المتطورة في عصرنا هذا لا تزال واقفة مكتوفة الايدي امام صخرة القرون الطوال التي تفصلنا عن اسالفنا. وهذه العلوم تطرح فرضيات وتوقعات عن الكيفية التي كان يعيشها اسلافنا. وقد اختلفت بما توصلت اليه هذه العلوم في عدة تفاصيل، لكنها وبجملتها اعترفت بأن العصور التي تسمى بالعصور الحجرية لم تكن تخلو من التطور والمعرفة. اضافة الى ان هذه العلوم لا تزال عاجزة عن تفسير ابسط الظواهر واقربها الة عصرنا وهي كيفية بناء الانسان لأهرامات الجيزة في مصر على سبيل المثال لا الحصر. اذن فالمعارف كلها تعترف بأن العصور القديمة لم تخلو من العلوم ولكن لم تستطع الوصول إلى مقاديرها وكيفياتها.
في ايامنا هذه قد نتوهم بأن الانسان وصل الى تطور عظيم على اصعدة عدة. لكن الحقيقة ليست كذلك. نعم، توصل الانسان في هذا العصر الى تطور ما – ولا تستطيع العلوم حتى الان اثبات ان هذا التطور غير مسبوق_ وهذا التطور محدود بمساحة ضيقة جدا. وهذه المساحة هي مساحة التصنيع فقط. فقد طورنا الصناعات وجعلنا الصناعات اليدوية إلكترونية وجئنا بمكائن ذات كفائات وكميات انتاجية عالية وصنعنا وسائل نقل مريحة جدا ووسائل تواصل فائقة الدقة ولكننا دمرنا من يستخدمها وهو الانسان!فصحة الانسان في حاضرها ضعيفة جدا مقارنة بعشرات السنوات السابقة لا مقارنة مع الوف الاعوام والسنين. ومن هذا المنطلق، وبما ان جميع الدراسات تؤكد على ان العقل السليم في الجسد السليم ووفقا للقاعدة المنطقة فأن عقلية الانسان ايضا تراجع مستواها الى حد ما بسبب التراجع الصحي _بأنوعه_ للانسان. يأتي السؤال الان، هل نعيش في عصر تخلف ام عصر تطور؟وفقا للمعطيات السابقة وللميزان العقلي السليم فإننا نعيش في اوج عصور التخلف. وما اقصده بالتخلف هنا هو ليس البقاء في الوراء وانما اقصد الانحدار العكسي لرقي الفطرة الانسانية. فأن فطرة الانسان بنيت على العمل من اجل البناء وليس التخريب. وغالبية الحفريات والدراسات الأثرية تؤكد بأن الانسان القديم كان بناءً. وبما اننا نعيش في القرن الذي يسمى خطئا بأنه قرن التطور فلابد من وقفة للتوضيح والبداية ستكون مع المقارنة بين تقدم اسلافنا وتأخر ابنائنا.
وعليه فإننا قد نكون حققنا، والى حد ما، تطورا صناعيا للوسائل التي يستخدمها الانسان، لكننا اخفقنا في تطوير الانسان ذاته!وما اقصده هنا هو التخلف المستر للانسان على الاصعدة الأخلاقية، والنفسية، والصحية، والادراكية. فإن انسان اليوم عاد إلى عصور قوم لوط، والى جهالة قوم عاد، والى فساد واستكبار قوم فرعون والقائمة تطول. وعليه، فسيكون الحلقات القادمة هي فقرات تناقش هذه القضايا كل على حدة للوصول الى الحقيقة المغيبة. والله من وراء القصد.