كنت أستمتع كثيراً بممارسة معتقدات الشيعة في يوم(الطبگ) وشهر محرم والذهاب مع والدتي رحمها الله الى جيراننا (بيت العطيه)لنسمع قراية الملايه كل ليلة في محرم. لم نكن نلبس دشاديش سوداء مثل أصدقائنا لكننا كنا نلعب سوية ونخدم من يحضرون مجالس التعزية سوية! في تلك الفترة،لا أذكر أي حادثة طائفية أو ذكر للشيعة والسنة في مدرستنا الأبتدائية(الثغر)،لكن ما أن أنخرطت في المدرسة المتوسطة ومع الصعود في صفوف الدراسة كنت أسمع بعض النكات الطائفية من أصدقائي الشيعة والسنة ونضحك جميعاً دون ضغينة. وأستمر هذا الموضوع حتى في الكلية حيث أقرب المقربين لي كانوا من الشيعة وليسوا من السنة رغم أن لي أصدقاء سنة مقربين. كان مقداد شيعياً من طويريج،وراضي شيعياً من الأحسائية،أوالطائفة (الشيخية) في البصرة،وكان جميل شيعياً من الكورد الفيليين،ومعد شيعياً من بغداد وكنا جميعاً نعيش في شقة واحدة وهم يقلّدون على طريقة صلاتي(التعليگ)وأنا أقلّد على طريقة صلاتهم(الطرح). لكن لا أذكر يوماً أني شعرت بأي سلبية تجاه ما يعتقدون به ولا أعتقد أنهم شعروا بذات الشيء.ولو خُيرنا آنذاك بين ترك مذهبنا أو ترك أصدقائنا فأني أجزم أننا كنا حينها سنفضل ترك مذهبنا،أو على الأقل هذا كان شعوري. وحينما بدأت حملة تهجير(التبعية)في نهاية السبعينات فعلنا(أنا وأصدقائي) كل ما نستطيع وخرقنا القانون لكي يستطيع(جميل) أجراء أمتحانه للسنة النهائية واستخراج شهادته الجامعية قبل أن نساعد في تهريبه الى إيران ليلحق بأسرته التي هُجرت الى هناك.

منظر جميل

لن أنسى ما حييت منظر جميل وهو يبكي كالطفل حينما أتصل بأهله وقالوا له أن الأمن جاؤوا ليرحلوهم من دارهم الآن! كانت هذه بداية صراعي الطائفي الداخلي،فبين أن أساعد صديقي الذي يبدو واضحاً أنه ظٌلم وليس له ذنب في ما يجري على الرغم من أختلافي معه في الطائفة بل وفي القومية (والاصل)الايراني، وبين ما كنت أعتقد أنه(واجبي) تجاه وطني الذي يتعرض لهجوم إيراني طائفي. لم يطل الصراع في ذهني فقد كان الحق واضحا لذا ،أنتصرت صحبتي وأنسانيتي على طائفتي(وما أعتقدت أنه وطنيتي).

فمع قناعتي آنذاك أن إيران قد بدأت الصراع(علما ان الحرب لم تكن قد بدأت لكن كانت هناك حملة تفجيرات في بغداد وسواها) فقد رأيت أن من الظلم تحميل (جميل )والفيليين وزر ما حصل ومعاملتهم بهذه الطريقة. كان جميل أكثرنا ثراء وكان أبوه من كبار التجار، فاذا بهم يتحولون بين ليلة وضحاها الى محتاجين للمساعدة!

حين أستُدعيت للخدمة العسكرية كضابط مجند لم تكن الحرب مع إيران قد بدأت بعد،لكنها بدأت بعد ذلك حينما كنا على وشك التخرج من كلية الضباط الاحتياط التي تخرجت منها بتفوق يسمح لي بأختيار وحدتي التي أريد.

وبدلاً مما توقعه زملائي من أختيار وحدة غير مقاتلة وداخل المدينة،أخترت وحدة مشتبكة مع الجيش الايراني في معركة الخفاجية الطاحنة،لاني كنت مندفعاً للقتال للدفاع عن العراق. كانت صدمتي الطائفية الثانية حينما رأيت أحد جنودي،وهو على الجبهة يقاتل معي،يرى صورة الخميني فيرفعها من الارض ويقبلها دون أن يشعر بي وراءه!

صدمني هذا الموقف وأحترت كيف يمكنني التصرف أزاءه!

يتبع

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *