كانت تجربة ، مثيرة في وقائعها ، جميلة في فحواها ، ففي خمسة ايام زرتُ ثلاث محافظات هي العمارة والبصرة واربيل ، مكثتُ في اثنتين منها مشاركا بفعاليات ثقافية متنوعة ، وواحدة كانت جولة في شوارع مداخلها ، وفي اسواقها ، صحبت الصديق المفكر د. عبد الحسين شعبان ، وما اجملها من صحبة ، سادها النقاش الموضوعي في مجمل القضايا ، ولاسيما الثقافية وشتى الاستذكارات التي اضافت لي معلومات غائبة.
يومنا الاول ، كان في ” العمارة ” مركز محافظة ميسان ، وهي تقع بين تفرعات نهر دجلة العظيم إلى المشرح والكحلاء ، مشاركاً في مؤتمر القمة الثقافي العربي الثاني الذي اختار منظموه هذه المدينة العريقة مكاناً لانعقاده ، وقد اتسمت أعماله بعرض بحوث مهمة في مختلف المجالات ، وقد كرمتُ بقلادة المشاركة وبشهادة تقديرية .. يومان في متابعة البحوث ومناقشتها ، تخللتهما جولة نهرية ، آية في الفخامة والمتعة في نهر دجلة بين بساتين العمارة بزورق جميل ، وموسيقى اعادت لنا زهو الشباب ، واخرى جولة حرة في سوق المدينة الكبير، وقد لفتت نظري يافطة لمحل كبير تحمل اسم مطبعة يعود تاريخها الى العام 1932. ما ابهاك من مدينة غارقة في جو الثقافة والفن قبل عقود ، بينما لم نر فيها الان اية فعالية فنية !
غطت المؤتمر وسائل اعلام عديدة ، وقدمت قناة “الشرقية” برنامجا عنه ، عرض يوم الجمعة المنصرمة .. وفي ختام المؤتمر توجهنا فجرا الى مدينة البصرة بهدف السفر جوا من مطارها الدولي ، الى اربيل .. وبين موعد اقلاع الطائرة ، وبين وجودنا في مدينة البصرة ، كان اربع ساعات ، فارتأينا ان نقضها بجولة في السيارة بين احيائها ، سالكين مختلف الشوارع ، واستقر رأينا ان يكون فطورنا ( القيمر) وفعلا كان لنا ما اردنا .. ثم توجهنا الى المطار ، واكملنا اجراءات السفر الى اربيل على الطائر الاخضر.
وصلنا اربيل قبيل الظهر، كان باستقبالنا البروفيسور “شيرزاد احمد امين النجار” الصديق المقرب للمفكر عبد الحسين شعبان والانسان المكتنز هدوءّ ومهابة ، وتوجهنا الى فندق الشيراتون ، حيث مقر اقامتنا ..ان اربيل مدينة هي توأم الجمال .. شوارع فارهة مزينة بالأشجار، عمارات شاهقة وفق تصاميم حديثة ، انظمة مرور صارمة ، حدائق غناء.. باختصار شديد اقول : كان الترحيب اخويا ورائعا من النخب الثقافية والشعبية التي التقيناها .. والجميع كان بشوق للمشاركة بالحدث التي جئنا من اجله وهو حضور مناقشة لكتاب الدكتور عبد الحسين شعبان الذي أثار جدلا مجتمعيا عند صدوره لتناوله الجريء لموضوعات حساسة ، ويمكن ملاحظة ردود الافعال بشأنه ، والاسماء الكبيرة التي تناولت مضامينه ، من خلال موقع ” كوكل ” إنه كتاب ( دين العقل .. وفقه الواقع ) .. وصح توقعنا ، فقد شارك في الندوة النقاشية المهمة بأبعادها الفكرية والثقافية العديد من الشخصيات الكردية من وزراء واساتذة الجامعات ومراكز ابحاث رصينة ، حيث طرحوا وجهات نظر عديدة ، ناقشها معهم د. شعبان بروح من الفهم الواعي ، شملت جوانب عديدة مما جاء في الكتاب ، وفي مسارات العلاقة العربية / الكردية في حقبها الماضية .. ثم القى عدد من الباحثين قراءات لكتاب د. شعبان ، منهم مداخلات للدكتور شيرزاد احمد امين ، والدكتور احمد عبد المجيد والدكتور نجدت صبري عقراوي ولكاتب هذا العمود زيد الحلي وللزميل حسن عبد الحميد ..
شكرا لأربيل الجمال ، التي وفرت لنا لقاءات لمن نحبهم : الزملاء شمعون متي ، منى سعيد ومعد فياض والامتنان لمضيفينا الكرام د. شيرزاد ، والاستاذ عماد والاستاذ فائق العبيدي .. دام الجميع بالود ، ..
خمسة ايام وثلاث محافظات برفقة الحبيب د. عبد الحسين شعبان ، ايام وساعات ولحظات لن تنسى … ابدا !