المتتبع للاحداث الساخنة على الساحة الدولية ، ينتهي الى نتيجة أن الحرب الكونية الثالثة قادمة لا محال ، عاجلاً لا آجلاً ، وبالقطع أن انعكاساتها الكارثية ستكون على الجميع دون استثناء ، فليس من دول المنطقة من لا يحتضن قواعد أجنبية وإن أدعى ، فضلاً عن كون العديد منها ممرات بحرية أو جوية ، وهي منقسمة في الموالاة بين أحد طرفي النزاع وإن حرصت على إظهار الحياد أو حاولت جاهدة النأي بنفسها عن الصراع ، تجنباً لآثاره المدمرة . ويقيناً على ظلالة من ظن أن الموت القادم سيكون مصدره الحرب النووية أو الصواريخ البالستية أو الطائرة المسيرة أو الاسلحة التقليدية ، فالحرب القادمة حرب اقتصاد واسعار وعملة وغذاء ومجاعة ، بل حرب إعادة رسم خارطة المنطقة ، ولن ينجو منها صغير أو كبير ، ولا غني أو فقير ، بل سيكون الكبير الغني أكثر عرضة للمخاطر بلحاظ ما يملك من مساحة وثروة . واللافت أن دول المنطقة العربية والجوار الاقليمي ، لما تزل يتآمر بعضها على بعض ، ويتمدد بعضها على الآخر ، مستغلاً صراعات داخلية أو خلافات بينية أو ضعف بنيوي أو مخاض سياسي عسير ، فحال الدول كما الأفراد يمر بمراحل تحبو فيها ثم تنتعش وتنهض وما أن تغتر بنهضتها أو تظن استمرار خط صعودها البياني الا وتنتكس ، فالكبير ليس بعدد مبانيه المستحدثة ، ولا بإيرادته الطارئة ، ولا بقصوره الشاهقة ، لكن الكبير بإرثه وتاريخه ورجالاته وقادته وعلمائه وحدوده واستقلالية قراراته وغيرته على الوطن واحترامه سيادة وخصوصية الأوطان ، فالتمدد دون معرفة الحجوم كارثة من ظن على ظلالة أنه كبير قادر ، فكبير البلدان والمتصدر منها ، ليس من جالس قادته كبار القاده ، ولا من اشترى ذممهم ، ولا تلك التي اشترت ذمة الصغير المحتاج من الاوطان ، كي يصوت لها ، لكن الكبير بعمقه ومقوماته وجذوره ومؤهلاته . واللافت في العراق أن قادة الوطن من المتصدين ، وأهل الحل والعقد من القابضين على السلطة ، لما يزالون يتصارعون على ثانويات إدارة الدولة ، فالدولة ليس حاكم ولا متصد ولا كسر إرادات ، ولا لجان ابتزاز ولا مغانم ولا مصالح شخصية ، لكنها وطنية واخلاص وتفان وحسن أداء وتاريخ ، فقد مضى عام على اجراء الانتخابات النيابية ، ولما يزل المجلس معطل ، والحكومة تسير الأمور يومية ، والرئاسة ممدة بحكم القضاء ، والقرارات تتوالى تترا لسد الفراغ ، والشركاء في صراع وخلاف واختلاف ،
حراك مستمر
عجيب أمركم قادة العراق ، الاوطان مستنفرة لقادم الكارثة ، والقادة في حراك مستمر لاستيعاب الصدمة ، والمعنيون يتنقلون بين التجار والمتاجر لتوفير الخزين ، والخبراء يلاحقون متغيرات البورصة واسعار الصرف وقيمة العملات ، وانتم تتداولون في ثانويات الوطن ، وتقفون على هامش المصالح والفرديات ، اتفق الشركاء على مرشح الرئاسة ، لا لم يتفقوا بعد ، لا اتفقوا ولكن الاسم متكتم عليه ، لا لا اتفاق لكن التسريب بقصد نقل المسؤولية إلى الشريك ، تم الاتفاق على من سيشكل الحكومة ، نعم تم الاتفاق ولكن دون تكليف ، سيُكلف هذا الاسبوع ، لا لن يُكلف ، لا سيُكلف بجلسة لن يعلن موعدها الا قبل ساعات من انعقادها تجنباً لاقتحام المجلس النيابي ، قدم رئيس المجلس النيابي استقالته ، نعم قرر المغادرة ، لا بل قدمها لتجديد الثقة ، لا سيغادر السدة مطلقاً ، لا هي بالون اختبار ، دخل الباحثون عن الكرامة الخضراء ، لا لم يدخلوها بعد ، لا دخلوها وخيموا في اروقة المجلس النيابي ، بل دخلوها لتأكيد المكنة من التغيير إن قرر الشعب ، توجه الثائر الى مجلس القضاء وسيخيم هناك ، لا هي تظاهرة عابرة ، لا سيقيم هناك ، لا لن يقيم هو ذاهب ليُسمع صوته للسلطة المستقلة ، خرج التشرينيون محيين ذكرى الحراك وسيعودون بعد إسماع صوتهم ، لا سيعتصمون في موقع الحدث، لا لن يعتصموا ، سيعتصمون ، سيجتمعون في ساحة التحرير جميعاً ، لا سينقسمون بين التحرير والنسور ، لا سيتفقون على مكان واحد ، لا لن يتفقوا . وبين مد وجزر ، وشد وجذب ، وتقارب وتنافر ، راح الجوار يتمدد على حساب الوطن ، مرة مقتطع جزء من الحدود ، وثانية مستفيد من الازمة العراقية المستحكمة لحل ازماته الداخلية ، وثالثة متخذ من العراق رئة لانعاش اقتصاده ، ورابعة بقصد المتاجرة بدولاره وفي كثير الاحيان برجالاته وعلمائه ، حتى راح الوطن غنيمة والشعب مبتئساً والنشء ناقماً . على أهل الحل والعقد من وطنيي بلدي ، ممن قارعوا وتصدوا وعارضوا وناهضوا شموليات وديكتاتوريات ، وقضوا جل حياتهم في كفاحات ونضالات وقتالات وتصديات ، الانتفاض على الواقع ، والنهوض بالمسؤولية ، شارعين تصحيحهم بتشخيص الأخطاء ، وتحديد الانحرافات ، ورسم المسارات ، واسناد المهمات لمن عمل وأحسن ، وتصدى وصان ، وأتمن وحافظ ، فالبلدان لا تبتنى الا بالقوي الأمين ، ويقيناً أن ما سلف كلّف الوطن النفيس من الوقت والأموال والأنفس ، لكن أن يأتي الاصلاح متأخراً خيراً من أن لا يأتي ، وليكن خط شروع التصحيح تشكيل حكومة كفاءات وطنية ، من المشهود لهم بالنزاهة والمهنية ، واستئناف مجلس النواب مهامه الدستورية ، إذ فاته الكثير وأخفق في التمثيل . وبالقطع أن الحكومة والبرلمان والقادة ، سيجدون شعب مناصر ، ومرجعية حاضنه ، وجمهور موال ، فلم تخرج الحشود بطرة ، ولم ترفع الاصوات مترفة ، ولم تقدم القرابين مختارة ، لكنها تصدت بقصد الاصلاح . والمتتبع لتاريخ الحكومات في العراق مذ ولدت الدولة المعاصرة في عشرينيات القرن المنصرم ، يجدها انحرافات رسمية وخلافات سياسية وتصويبات شعبية ، والسعيد مت قرأ تاريخ الوطن وأتعض به .