انها تمطر.رذاذ رائع وبرد محبب جدا لمن ليس مريضا.دعوني اقول ببساطة شديدة ان المطر والغيم طقس غربي.وعمر الشتاء القصير عزيز على البعض عندنا كما ان الصيف وحرارة الشمس مهمة لدى الغربي.
نخشى المطر لاننا نغرق في مياهه,وقد تزحف الى غرف بيوتنا.وفي المناطق المنسية قد تصبح الشوارع ميادين للتزلج الطيني.صورة غير جميلة نعيشها.لذا نحسب الف حساب لغيمة تفرغ احشاءها على شوارعنا.
لسنا شعبا مدللا لنعانق زخات المطر بالسير والضحك وتامل وجه البنايات والحدائق بمتعة.لم نصل بعد الى ترف الغربيين الذي يصل احيانا الى الشعور بالكابة حين تمطر,او حين تحجب غيمة سوداء ضوء الشمس.
لكن كان هناك شخص احس بشيء ما بعد هطول المطر.ذلك الشخص المريض حاول ان يفتح في شعورنا نافذة صغيرة نطل بها على حقيقة المطر.
لم يكن ذلك الرجل المتعب قادرا على تحمل وجهة نظرنا القديمة فاخبرنا ان حزنا ما ينبعث حين تمطر السماء.اظن ان الجميع يعرف انني اتكلم عن السياب.وفي صباح ممطر صادف بالطبع يوم الاربعاء الماضي تذكرت ابا غيلان وانا اسير في شارع موحل.فكرت:هل يتحدث السياب عن شعور غربي ام انه يتحدث عن شعوره الخاص.
في الحقيقة كنت وحيدا جدا,واحس بحاجة كبيرة للسير دون توقف.وكان هناك شريط غير واضح يشتغل في اعماق ذاكرتي.هذا الشريط ليس فيه شيء من السياسة,ولا مشاكل الحياة,ولا انزعاج شخصي من موقف عابر.
احسست انني اعيش لحظة صافية جدا.لاسمها لكم,انها لحظة السياب.ولا اظن ان السياب كان رومانسيا حين تحدث عن حزن يبعثه المطر فيه.لا.هو ليس حزنا بلا معنى بل هو نوع من ادراك صاف جدا بان الانسان في حاجة الى سند لا يمكن الحصول عليه.
المطر سر خاص لا تعرفه كثير من المدن,ولن يلمسه الملايين في هذا العالم.وكم كان طرفة بن العبد ساذجا حين كان يقضيه في خبائه وفي احضانه امراة ناعمة.