كتبت لي سيدة عراقية مغتربة، منتقدتنا بعدم الكتابة عن المغتربين والمهجرين و ما يعانون من وحدة والابتعاد عن الاهل والوطن ، وتبين ان الاخت ام لثلاث بنات احداهن في كندا وتلاقي صعوبة في تعلم الفرنسية واخرى لازالت لم تحصل على الاقامة في المانيا وتكره اللغة الالمانية ، اما الثالثة مع امها تجيد السويدية و تعمل منظفة في مركز رعاية المعاقيين المسنيين بالرغم من انها خريجة كلية …كتبت الاخت مقالة مطولة بصيغة غريبة ،ارخت حياتها على الاغاني العراقية ، ولكني اقتصرتها واكتبها من جديد من باب الحفظ على حياتنا فلم تبقي اختنا احد من الساسة الا و رمته بالمسبة والشتيمة وهذا لا يليق بنا ..قالت لي :
*يا مسية العافية عليكم يا هلنه* . *صدفة اخذنة الشوگ من يم داركم* ، و *دكيت باب الجار كل ظنتي داري* ، وصحت ( *لچ ليش لچ يا جارة متردين الزيارة* ) ،كنا لا يهمنا ملك رحل او جاء الزعيم او صار رئيس او تولى قائد، الا ان دخلت علينا الحرب ، وبين يوم و ليلة ، *احنه مشينه للحرب* ، ونهوس *يا كاع ترابچ كافوري* ، و *هاليوم كلنه جنود عن الحدود نذود* ، و *دونه للجبهة نقاتل* .. وانتهت الحرب و دخلنة بحصار و احنه نغني، *شچاهه الناس* ، و *قصتي قصة حزينة* ، و *يامتى الفرج* …
هسة احنه بلا هوية و لا روح ، *نسمع بله بله* ، *وبسبس ميو* ، *يا كطيوة* و *طيط طيط طيط* ، و رجعنه لهمنه ب *لا خبر لا جفية لا حامض حلو لا شربت* .و ضاع منا الفرح ويه الي ، *يگولون غني بفرح وانه لهموم اغناي* ..
اليوم، *يا جاري انت بدارك وانه بداري* ، وهو يصيح، *انت بدرب وانه بدرب* …
*جرحنه بنص الروح، وشتداوي جرح جرحين مو ميت جرح مجروح* .. جرحنة بالغربة بلا اهل ولا صحبة محد يذكره، *يلي نسيتونه يمته تذكرونه* … واختتمتها بمقطع غريب:
*يا ضاوي بسگ عاد ، اعميت العيون* ..
*تره حجيك مطر صيف ما بلل اليمشون* …
اقول..
هموم المراة في العراق يفوق التصور والتحمل . منذ ولادتي كنت عصي الدمع حتى ٢٠١٤ عندما بدا الناس وكثير من السيدات مراسلتنا ، فامسيت مع الدمع في معظم الليالي على حالات لا تجد بد من ان تبك عليها، حتى قالت لي احدى الاخوات مقطع قبل سنتين لي :
*بيا هم جايني اليوم* …
*تره ناسگ هموم ولابسة هدوم* …
امراة خمسينية من ديالى تغبش لتبيع الشاي على المحلات والمارة لتعيل بناتها، بعد ان هجرهم اباهم و توصل بنتها لكلية الطب ..و فتاة تيتمت بعد حادث سير لاهلها فتترك بغداد وترحل الى بيت عمها العاطل صاحب العائلة الكبيرة ، و يظهر سرطان الدم فيها ،فتعرض نفسها لمن يتزوجها باي زيجة شرعية على ان يعالجها وترفض مال لانها لا تقبل الصدقة ..و رجل من الناصرية قدم مساعدة لعائلة متعففة في تبديل هوية احوال شخصية لعائلة مكونة من تسع نساء ، مات معيلهم مريضا ، وكانت في اليوم الاول ذهبت اليه الام وحدها ليساعدها في معاملة الجنسية ، فسالها واين البنات ؟ قالت : كل يوم تاتيك واحدة . ذهب في اليوم الثاني الى بيتهم وهو صريفة ، فاجلسوه على بطانيات عسكرية مخططة من زمن حرب صدام ،وعرف ان هذه البطانيات الممزقة يتغطون بها، واكتشف ان في البيت ( عباية ) واحدة ولايمكن ان تخرج من البيت الا واحدة .. واسرتني احد المحاميات التي فقدت زوجها مبكرا و وجدت نفسها مع اطفالها بلا معيل ، عرضت كليتها للبيع ولولا ان تدخل والدها الكهل ذو التقاعد البسيط ليقترض لها، و بدات مشوار الدراسة ورعاية اطفالها بصبر فاق صبر ايوب …
بالامس كنت في لقاء مع شخصيات اقتصادية و مالية، و تحدث احدهم كيف ان شخص ممتلىء باللحم الحرام كان يرمي الفلوس على الراقصات في احد الملاهي في الجادرية يعطوها له من اكياس ، وعند السؤال عنه تبين انه تاجر نفط ( مهرب نفط ) و ( *مال النفط للشفط* ) و ( *نفط البصرة للسهرة* )…
سيدتي..
في عراقنا كلنا غرباء، كلنا اموات ننتظر شهادة الوفاة و الحزن والرثاء، كلنا قد غادرنا الضمير و الدين والاخلاق والا لما بقى الطغاة والقتلة، والفاسدين السفلة، يعبثون بمقدرات البلد واطفالنا ونسائنا يتزاحمون مع السيارات على التسول … من امثال حجية خاچية ان امراة تمزقت شيلتها ، فطلبت الخيط من كنتها وهي بنت اختها ، وانشغلت ليوم عن ريافة الشيلة ، و في اليوم التالي لم تجد الشيلة فاخذت تسمع الكنة ( *بين يوم وليلة ، ضاع الخيط والشيلة* ) ..
لحجية خاچية نحن *بين يوم وليلة اضعنا وطن ،منه ابتدا الزمن، وبه ينتهي الزمن* …

لك الله ياعراقنا المسلوب.
يا قابل التوبة وغافر الذنوب..

أ.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *