قراران رسميان بعيدان عن بعضهما، شكلا عندي منعطفاً عميق المعنى، ما زال يرن في وجداني منذ أن اطلعت على تفاصيلهما مؤخراً. ترى ما الذي يجمع نقيضين على سطح واحد؟ أحدهما حالك السواد، وبعيد عن المنطق والعقلانية، والآخر ناصع البياض، مفيد للمجتمع.
والموقفان يلامسان أزمة تعيشها العاصمة والمحافظات، وهي أزمة باتت تمثل قلقاً حقيقياً للمواطنين.
ففي قرار رسمي رسم ملامح الفرح عند المواطنين، تضمن توجيهاً إلى أمانة بغداد ودوائر البلدية في المحافظات، يقضي المباشرة بحملة شاملة للحد من ظاهرة الازدحام الخانق الذي تشهده البلاد، بحيث أصبحت بعض الشوارع شبه مغلقة أثناء الدوام بسبب كثرة السيارات، ومعظمها رديئة الصنع، وقد فاق عددها حد التصور، وتشمل الحملة التي بدأت بأعمال إصلاح التخسفات وإكساء وتعريض الشوارع وتعبيد الطرق الرئيسة والفرعية وأعمال الإنارة وتجديد الأرصفة.
وفي مقابل هذا الموقف الرسمي المفرح، يلاحظ المواطن تساهلاً مريباً، يمثله موقف رسمي سابق، بغطاء حكومي، وهو استمرار ضخ المركبات المستوردة بشكل يومي ومتصاعد، فأي تناقض هذا!؟
إن تقليص مساحة الساحات العامة وإلغاء “الأرصفة”، وهي من حقوق المواطن بتجوال آمن، جاء كما نعرف، بسبب زحام الطرق نتيجة فيضان المركبات التي غصت بها الشوارع، لكن من الغريب أن يكون باب الاستيراد مشرعاً، إلى جانب وجود اغراءات من الشركات المستوردة للسيارات إلى المواطنين بتوفير أنواع السيارات حتى بدون مقدمة، وبأقساط “مريحة “، فأصبح لدى آلاف الأسر سيارات بعدد أفراد الأسرة، وحتى لمن دون السن القانونية!.
أين دور وزارة التخطيط من هذا التخبط، وأين تقارير دوائر المرور بشأن الاختناقات المرورية.
لقد اختنق المواطن وأصبح عالقاً، بين مطرقة سلب حقه من التمتع برصيف عريض مثلما هو موجود في بلدان العالم، وبين سندان أكداس السيارات وأصواتها وانبعاثاتها السامة التي تزيد من نسبة تلوث الهواء الذي يؤثر بدوره في صحة الفرد والمناخ.
افتونا مأجورين.. لطفاً.. لطفاً.