الشمس اجمل في بلادي من سواها ، والظلام حتى الظلام ، هناك اجمل ، فهو يحتضن العراق ، واحسرتاه متى أنام فأحس أن على الوسادة من ليلك الصيفي طلاً فيه عطرك ياعراق ـ إني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون ! ايخون إنسان بلاده ؟ إن خان معنى ان يكون ، فكيف يمكن ان يكون !) بمثل هذا الفيض من الإنتماء والوفاء يتحدث بدر شاكر السياب عن بلده العراق والذي رحل عنه وهو نخلة سامقة لا ترتضي الا بالعلياء مقاما ، ولم يطأطيء رأسه الا لخالقه . إن العراق هو بلد استثنائي ، بلد الأنبياء كالنبي إبراهيم ويونس وحنين ونوح وهود وصالح وذو الكفل وسليمان وأيوب وغيرهم سلام الله عليهم جميعا ، وهو جمجمة العرب وكنز الرجال ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض وحربة الإسلام وحضن الثغور .الأوطان هي وجود الإنسان وارتباطه بالارض وسمائها فالناس بلا وطن هم مجرد ” بدون ” …الأوطان هي سر الأسرار فلاتوجد اوطان بدون محبين واحرار ، انها معادلة متوازنة غير قابلة للمساومة ! قال الرصافي ( إذا لم يعش حرا بموطنه الفتى ـ فسمِ الفتى ميتا وموطنَه قبرا ) وقال ابو فراس الحمداني ( وما اخوك الذي يدنو به نسب ـ لكن اخوك الذي تصفو ضمائره ) العراق هو قرة عين العراقيين ومفاخر أواصرهم التي لا تعد ولاتحصى ، فمنه انطلقت الشرائع والقوانين من خلال مسلة حمورابي ، ومن الوركاء في الناصرية انطلقت الكتابة الاولى بحرفها العربي المتين . لقد اختارها ابو جعفر المنصور 158 هـ عاصمة ، لأنها الانقى هواء والافضل اتصالا عبر “دجلتها ” التي خلدها الجواهري بقصيدته ( حييت سفحك عن بُعد فحيني ـ يادجلة الخير يأام البساتين / حييت سفحك ظمآنا الوذ به ـ لوذ الحمائم بين الماء والطين / يادجلة الخير يانبعا افارقه على الكراهة بين الحين والحين / اني وردت عيون الماء صافية ـ نبعا فنبعا فما كانت لترويني ) . بغداد شامخة وعصية على العدوان من اين ماجاء ، فهي وكما قال الشاعر محمود حسن اسماعيل ، وشدت به السيدة ام كلثوم ( بغداد ياقلعة الاسود ياكعبة المجد والخلود ، ياجبهة الشمس للوجود ، سمعت في فجرك الوليد ، توهج النار في القيود ، وبيرق النصر من جديد يعود في ساحة الرشيد ) انه فدر العراق ان يظل متألقا شامخا ابيا وتاريخهم هو الشاهد والدليل ، فهم اول من اخترق وحل لغز النجوم والفلك ، والسومريون والبابليون والأكديون والآشوريون هم اصحاب حضارات متعاقبة ادهشت العالم برقيها ،لذلك فإن حب العراقيين لبلدهم هو قسمة الله ، التي لاتقبل التجزئة واللعب على اوتار العواطف . وهاهي الدورة العاشرة للقمة العالمية للحكومات التي ضيفتها دبي في الشهر الماضي تحتفي حديثا بـ ” بطارية بغداد ” المكتشفة شرقي بغداد والتي يرجع تاريخها الى قبل نحو 2000 عام ، والتي قال عنها الآثاري العراقي بهنام ابو الصوف : انها جرة صغيرة من الفخار تضم اسطوانة نحاسية ، وهو مايكون مواد كهربائية جافة ، اكتشفت عام 1936 انه احتفاء مهم بتاريخ العلم ببغداد رغم ما تعانيه اليوم من شحة بمصادر الطاقة الكهربائية ! يتوهم من يعتقد انه قادر على مس جوهر العراق بالأذى ، على قول الشاعر مصطفى جمال الدين ( بغداد مااشتبكت عليك الأعصر ـ الأ ذوت ووريق عمرك اخضر / مرت بكِ الدنيا وصبحك مشمس ـ ودجت عليك ووجه ليلك مقمر / وقست عليك الحادثات فراعها ـ أن احتمالك من أذاها أكبر )

ان الحديث عن بغداد يطول ويطول ، والمهم انها ستبقى كما تغنت بها جارة الوادي فيروز ( بغداد والشعراء والصور ـ ذهب الزمان وضوعُه العـَطرُ / ياالف ليلة يامكملة الأعراس يغسل وجهك القمر ُ / بغداد هل مجد ورائعة ـ ماكان منك اليهما سفرُ / ايام انت الفتح ملعبه ـ أنا يحط بجناحه المطر ُ) هذا ماجادت به قريحة الشاعر منصور الرحباني

هكذا كانت بغداد ، منارة للمجد والعلياء وهكذا ستبقى ، شاء من شاء وابى من أبى ! الوطن والمواطن هما ارتباط الانتماء والوجود ، ومابينهما راسخ ، رسوخ الأصابع في راحة اليد !

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *