لم تكن طفولتنا سوى وهج شوق في ضياء الفوانيس وسقوف الطين واقنان بيض الدجاج وأمهات يفترشن الشوق مدنا أسطورية واندهاشاَ وحكمةً وضمير.

لم تكن طفولتنا سوى أراجيح جذوع نخل وقراءات خلدونية ونعاس دمى من قماش ممزق نمارس معه براءة الغرام في ما نسميه في العامية السومرية ( بيت ابيتات ).

الزمن الأرجواني المميز الذي منحنا صفاء روحه ونقاء ذاته وعطر رغيفه ودهشة كتبته وفلسفتها التي لا تتعدى سوى الرغبة أن تكون أيامنا معطرة ببلد جميل نسافر أليه وامرأة تختزل كل التفاصيل في قبلتها وتسكن ببراءة نهديها في رعشة أصابعنا ولذة أسنانها والحرائق التي تشتعل في شفاهنا احتراقا للقبلة والقصيدة وحلم ماركس أن يكون الخبز والورد مشاعا على الخليقة بالتساوي.

كنا أطفالا ، عندما كبار الشباب من جيراننا يطلون علينا بسمرة سانحة وكتب ضخمة يتأبطونها.

مرة سقط في يدي كتاب سارتر (الوجود والعدم ) لم افهم منه شيئاً ولا حتى سطرا واحدا ولكني فهمت وجه سارتر المطبوع على الغلاف ..وطوال حياتي وحتى بعدي فهمي لمحتوى الكتاب بعد أن قرأته في حماس الثانوية ظل وجه ساتر قريبا لمحنة المكان الجنوبي وتخيلته في فلسفته يتحدث عن وجود يسكننا في قرى العدم والتهميش والمطلق البعيد مع براءة أهلنا الذين لا يحسنون كتابة الحرف ولكنهم يحسنون صناع الأغنية والحلم وأواني القيمر والسعي لكد عجيب من اجل أن يكون لهم موسما للنزول الى المدينة واقتناء دشداشة جديدة .وحين يزود من محصول القمح شيئا يجلبون لنا مع الدشداشة حلوى أو دمية مطاطية صغيرة.

وقع قوي

هاهي أيامنا الآن تخرخش فينا بين اغتراب ووطن يلعقه الساسة والمفخخات والضمير المتعب من ارث أصوله المنتحرة عند منابر الولاة والغزاة واقطاعي القبائل.

خرخشة لها وقع قوي مثل دهشة قراءة كتاب الوجود والعدم لسارتر أول مرة ، مثل ارتطام نيزك ضخم بحدائقنا التي صنعتها دشاديش فقر الملوك والمحاربين والفلاحين والكهنة وسعاة البريد وعرابي الجواري وطباشير سبورات المدارس ومراثي حناجر الأمهات وأوشمة بطونهن بصور الأبراج والإلهة وتعويذة أم السبع عيون.

وكنت من الذين يتساءلون : كيف لنا أن نلمها بكاس ثمالة واحدة وهي مشتتة على مدى خرائط الأرض ..مخيمات لجوء .وحواءات في ملاهي العوز وبائعي الفلافل والهمبركر .وبعضهم من اكتسب جنسية وطن غير وطن الدشداشة والخرخاشة ولم يعد أبناءه ينطقوه (الجا .واللعد واللويش والهون والعجل يابا .والعليمن .والدهر طرك …..)..؟

وما بين نارين هاهو مالك الحزين يخط بأنامل الشوق مراثي بطولته وطفولته وفحولته وكبوته لا يدري أي المسارات اصح ؟

أذن في محصلة الحلم أيام الدشــــــداشة*2 والخرخـــــاشة اســــــلم لنا روحـــــــيا وبدنيــــــا وفكريا..!

انه إلأيقاع القديم لأغنية وطنية ورومانسية عذبة مثل ناقوط العنب في الفم الظامئ .حلوة وطيبة وبريئة حتى في صور عادتها السرية وأجساد ممثلات أفلام الأسود والأبيض..

الآن تَلبسُنا العولمة والانترنيت ونشرات سوا والجزيرة وروتانا ..ولكن ثمة أمراض جديدة تبتكرها الحالة النفسية والضيق والعوز.

ومرة أخرى في ذلك معضلة.

ولهذا لن يحل المُفراس والسونار والجراحة المتداخلة كل هذه العقد الجديدة حتى مع خدماتها الحضارية الهائلة لأن الأمر يرتهن بمزاج صقور والأله الجديد الذي يظهر من خلال ملفات مايكروسوفت ليقول لكم : أنا ربكم الجديد فأتبعوني.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *