– عصامي.. متواضع.. كان كريماً وسخياَ.. وعرف عنه سرعة البديهة.

– شخصية بغدادية نموذجية.. تجمع الطرافة والحزم.

– يحب النكتة ويجيدها.. لديه خزين من النكات.. والأمثال الشعبية البغدادية.

– يتصف بنكران ذات.. وروح سمحة تنظر للطبقات الفقيرة.. نظرة إنسانية وذو توجه يساري وطني.

– عقلية متفتحة ومتحررة.. وكان يدعو إلى الاختلاط في جميع مراحل التعليم.. ويدعو إلى الزواج المبكر.

– لم يستطع خصومه أن ينكروا ذلك عليه.. وهو متزوج وله سبعة أبناء.. هم: (نضال، مناضل، ومنورة، وإخاء، وفراس، ونوال، وفرند).

– كان سباحا ماهراً.. ولاعب كرة قدم.

ـ لطيف المعشر.. ويتحدث احد ضباط معسكر المسيب عن سخائه وتواضعه.. قائلاً: كان المهداوي يسكن مع عائلته.. فيما كان الضباط غير المتزوجين آنذاك.. نسكن في المعسكر.. وعندما تصادف واجبات خفارتنا نحن العزاب.. يقوم المهداوي بإرسال الطعام ألينا من مسكنه في أحيان كثيرة.

ـ ابنه الكبير معجب بوالده.. وقالت زوجته: “إنها تحبه حباً جماً.. لأنه زوج مثالي”.. ويقول هو عن نفسه: “لو لم أكن عسكرياً.. لكنتُ صحفياً أبحث عن المتاعب”.

السيرة والتكوين

– في زقاق بغدادي من العام 1915 أبصر فاضل عباس المهداوي الموسوي في محلة المهدية بشارع الملك غازي (الكفاح) حالياً.

– كان والده قصاباً.. ووالدته اسمها عكاب حسن يعقوب ألساكني.. وهي خالة الزعيم عبد الكريم قاسم.

– أكمل المهداوي دراسته الابتدائية والثانوية الى الصف الخامس في بغداد.

– ليعين في مديرية العاصمة العام 1935.. لكن رغبته في إكمال دراسته دفعه الى الاستقالة بعد سنة.

– وسافر الى بيروت ليدرس فيها.. عاد الى بغداد العام 1937 حاصلاً على شهادة الإعدادية.

– فضّل الدخول الى الكلية العسكرية بواسطة (جميل المدفعي).. حيث كان الانتساب للكلية العسكرية مقتصراً بأبناء الذوات والطبقات البرجوازية.

– تخرج منها العام 1939 برتبة ملازم ثان.. وعين آمر فصيل في الفوج الثاني من الحرس الملكي.

ـ كان ضمن القوات العسكرية التي أيدت حركة مايس للعقداء الأربع العام 1941 في محاولة للانقلاب على الوصي ومحاربة الانكليز.

– وكان دوره حماية منشآت مطار الحبانية.. ولما احتلت القوات البريطانية هذا المطار اعتقلته مع مجموعة من العسكريين.. وبعد مدة أطلقت السلطات العراقية سراحه وأعيد الى الجيش.

– العام 1947- 1948 شارك في حرب فلسطين.. وكان في منطقة طيرة بني مصعب يحارب مع رجالها المناضلون. وعندما رزق بابن أسماه (مناضل).. وهناك انظم الى تنظيم الضباط الأحرار.. الذي شكله عبد الكريم قاسم!!.

دوره في ثورة 14 تموز 1958

– كشفت محاكمات العقيد الركن عبد السلام محمد عارف أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة.. أواخر العام 1958 بتهمة التآمر على نظام الحكم ومحاولة اغتيال الزعيم الركن عبد الكريم قاسم إن العقيد احمد حسن البكر نقل رسالة شفوية من عبد الكريم قاسم الى فاضل عباس المهداوي والضباط الأحرار الذين كانوا يعملون في معسكر المسيب.

– وذلك ليلة الثورة (13 تموز 1958).. وجاء اختيار البكر لهذه المهمة كونه كان سابقاً يعمل في معسكر المسيب أولاً.. وبالتالي فأن زيارته للمنطقة والالتقاء برفاق الأمس سوف لن يثير الشكوك لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.. وثانياً انه كان عضواً في تنظيم الضباط الأحرار.. الذي كان يقوده الزعيم عبد الكريم قاسم.

– كانت خشية قيادة الثورة مؤكدة من قيام هذا اللواء.. الذي كان يقوده الزعيم الركن وفيق عارف شقيق رئيس أركان الجيش.. بتنفيذ خطة أمن بغداد.. التي وضعها رئيس أركان الجيش محمد رفيق عارف.

– وكانت تلك الخطة تقتضي بأن يكون اللواء الأول المسلح تسليحاً كاملاً على أهبة الاستعداد.. وأن يتحرك إذا ما حدثت قلاقل أو اضطرابات في بغداد.

– أبلغ احمد حسن البكر الضباط الأحرار.. الذين ألتق بهم في النادي العسكري في المسيب ليلة الثورة (13 تموز 1958) بالاستعداد واتخاذ الاحتياطات اللازمة للسيطرة على اللواء.

– ثم ذهب البكر الى منزل العقيد فاضل عباس المهداوي.. لأنه لم يكن متواجداً في النادي العسكري.. والتقاه وأبلغه نص رسالة الزعيم عبد الكريم قاسم بالسيطرة هو ورفاقه على اللواء.. وعدم السماح لآمر اللواء بالتحرك نحو بغداد واعتقاله.. وأن كلمة السر هي: (إذاعة البيان الأول للثورة من إذاعة بغداد).

– وفعلاً أستعد وفيق عارف عندما سمع بيانات الثورة من المذياع.. وأتخذ بعض الإجراءات للتحرك نحو بغداد.

– لكن الضباط الأحرار سيطروا على اللواء واعتقلوا آمره.. ثم اختار ضباط اللواء المهداوي آمراً مؤقتاً لهم.

– تذكر نضال ابنة العقيد المهداوي: “في صبيحة 14 تموز 1958 نهض والدي مبكراً.. وقال لوالدتي: أنني ذاهب للقيام بعمل مع الزعيم عبد الكريم.. وقد أعود أو لا أعود فلا تقلقي عليَّ.. وقد غادر البيت في سيارة عسكرية.

– بعدها سمعنا بقيام الثورة.. وأن قائدها هو الزعيم عبد الكريم قاسم”.

– تضيف نضال قائلة: بعد مدة قصيرة عدنا الى بيت جدي في منطقة الكرادة ببغداد.. فبدأت حياة أخرى.

– وعندما جرت محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد في 7 / 10 / 1959 كان والدي حينها في الصين.. فعاد مسرعاً وذهب فور وصوله بغداد لزيارته في المستشفى للاطمئنان عليه.. فكان أن خاطبه الزعيم: “كنتُ متأكدا بأنك ستكون بجانبي”.

رئاسته لمحكمة الشعب:

– بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 صدر في السابع من آب / أغسطس من العام نفسه قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم في العراق.. الذي تضمن تشكيل محكمة بأسم المحكمة العسكرية العليا الخاصة.

– أخذت هذه المحكمة على عاتقها تطبيق هذا القانون على الأشخاص الذين يحالون إليها.

– ويبدو من تسميتها إنها ليست محكمة اعتيادية بل هي محكمة عسكرية استثنائية.. وهي أعلى محكمة كانت في البلاد.

– رئيس هذه المحكمة هو العقيد فاضل عباس المهداوي.. ويبدو أن المهداوي أصبح بعد الثورة من أشد أنصار الزعيم.. ويتعاطف مع الحزب الشيوعي.

– سميت هذه المحكمة باسم (محكمة المهداوي).. كما سميت (محكمة الشعب).. لأن أحكامها كانت تصدر بأسم الشعب..

– في الفترة الأولى من مسيرة هذه المحكمة طرحت أمامها قضايا عامة تمس جرائم أقطاب النظام الملكي المتمثلة ب:

ـ التجاوز على حريات المواطنين وحقوقهم.

ـ التعسف في استخدام السلطة وتبديد الأموال العامة.

ـ التآمر على سورية وتنسيق سياسة العراق في العهد الملكي مع الدول المجاورة والدول الغربية ضد سياسة الأقطار العربية المتحررة.. وبشكل خاص ضد الجمهورية العربية المتحدة.

ـ كانت معظم تلك المحاكمات موفقة.. وكان يمكن الاستفادة منها بقدرة وذكاء أكبر لفضح سياسات النظام الملكي وأركان حكمه وأسياده المستعمرين.

ـ كما كانت جلسات المحكمة علنية.. ومفتوحة.. وتنقل مباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون..

– فكان من الممكن أن تكون ميداناً أو أسلوباً للتوعية الوطنية والقومية.. خصوصاً وأن أحقاد الشعب على عبد الإله (الوصي على العرش).. ونوري السعيد (رئيس الوزراء العتيد) كانت قوية وحادة.

– فكانت تلك المحاكمات تشكل شيئاً كثيراً من التنفيس عن تلك الأحقاد المشروعة.

ـ يتحدث طالب شبيب (وزير خارجية انقلاب 8 شباط 1963.. وعضو قيادة حزب البعث) في مذكراته عن المهداوي قائلاً: (وبعيداً عن الضغط المألوف الذي يُعاقب حتى الموت.. هناك من ينصفه.

– ويضيف شبيب قائلاً: إن المهداوي اشترك في حركة رشيد عالي الكيلاني وأسره الانكليز في الحبانية.. والتحق بحركة الضباط الأحرار بقيادة قاسم التي أسسها في نهاية الأربعينيات على أرض فلسطين.

– ويضيف شبيب قائلاً: “تمكن المهداوي مع رفاقه صباح 14 تموز / 1958 من تنفيذ واحدة من أهم وأخطر أجزاء خطة الثورة بالسيطرة على اللواء الأول (لواء الأمن) ومهمته حماية بغداد من أي تمرد قد يحدث ضد حكومة نوري سعيد العاتية”.

– يستمر الشبيب في حديثه قائلاً: “في 8 آب 1958 عين المهداوي رئيساً لمحكمة الشعب.. تلك المحكمة ظلت حتى هذه اللحظة تتحدى كل السلطات التالية في أن تقيم مثلها أو أفضل أو أكثر حرية منها.

– بدلاً من العلنية الساخرة للمهداوي.. نشأت بعده المحاكم السرية.. والقتل السرّي.. والتعذيب حتى الموت وتهديد الشرف.. وبصورة تتجاوز وتفوق ما سمع به الإنسان منذ تأسيس حضاراته الأولى ولحد الآن”!!.

– يضيف طالب شبيب قائلاً: “إن قاعة الشعب التابعة لمحكمة الشعب تحولت بعد سقوط قاسم الى مسلخ بشري قتل فيها خلال شهر واحد أضعاف ما حكمت به محكمة المهداوي خلال أربع سنوات ونصف السنة “عمر حكومة قاسم”..

– في حين.. كما يقول شبيب: ويا للأسف إن بعض السياسيين مازالوا يحصرون الاستبداد والدكتاتورية بعهد قاسم ومحكمة المهداوي دون غيرهما”.

القضايا التي تناولتها:

أربع قضايا تناولتها هذه المحكمة

– القضية الأولى: كانت التآمر على سورية.. حيث جرت محكمة عدد كبير من أقطاب النظام الملكي وبعض كبار العسكريين في هذه القضية.

– القضية الثانية: كانت (التجاوز على حرية المواطنين وحقوقهم وتبديد الأموال العامة ومحاولات سلب أبسط حقوق المواطنة.. وزج المواطنين الأبرياء في المعتقلات والسجون واستخدام أبشع أساليب الاضطهاد والتعذيب ضدهم.. مما أدى الى موت أو قتل بعض المواطنين… كما تناولت ضمن هذه القضية مسألة تبديد الأموال العامة من قبل المتهمين في هذه القضايا).

– القضية الثالثة: كانت محاولات بعض القادة العسكريين إجهاض الثورة صبيحة يوم 14 تموز.. أي في اليوم الأول للثورة.. عندما حاولوا تحريك قطعاتهم العسكرية نحو بغداد لإعادة النظام الملكي لكن محاولاتهم باءت بالفشل.

– القضية الرابعة: كانت قضية محاولات اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم ومحاولات الإطاحة بنظامه.

تقييم مسيرة المحكمة:

ـ واجهت هذه المحكمة منذ البداية حملة ظالمة من الهجوم خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية ودول حلف بغداد.

– فكل هذه الدول كانت تبغي فشل أعمال المحكمة.. والضغط على الحكم الجديد بهدف إطلاق سراح أقطاب النظام الملكي المحالين لهذه المحكمة.

ـ وبسبب حضور جماهيري كبيرة خلال المحاكمات.. وقيام بعضهم بالهتاف وتأييد الثورة وقيادتها والمطالبة بإنزال أشد العقوبات بالمتآمرين.

– أصبحت المحكمة محل انتقاد شديد من الأوساط والمنظمات العربية والدولية كهيئات حقوق الإنسان ومنظمات العفو الدولية وأجهزة الإعلام العربية والدولية.

– وقد أبدت العديد من تنظيمات المحامين ورجال الفقه والقانون امتعاضها من أسلوب المحاكمات.. لاسيما إنها كانت تسمح للجمهور الحضور في قاعة المحكمة في التأثير في جلساتها ومجريات عملها.

ـ ويبدو أن الصراع السياسي الدائر آنذاك في الشارع العراقي بين القوميين والبعثيين والعناصر المتضررة من الثورة وأقطاب النظام الملكي ومؤيديهم من جهة.

– والشيوعيين والديمقراطيين والقاسمين وقاعدة واسعة من الجماهير العراقية من جهة أخرى أنعكس على موقف هذه الدول والقوى من المحكمة بين معارض شديد ومؤيد شديد !! خاصة حول تعليقات رئيس المحكمة خلال المحكمات!!.

ـ وخلال عملها أصدرت هذه المحكمة أحكاما مختلفة شملت بين عقوبة الإعدام الى السجن مدداً مختلفة.. لكن الكثير من هذه الأحكام لم ينفذ.

– واستخدام رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم مبدأ (عفا الله عما سلف) في التعامل مع هذه الأحكام.

ـ يبدو أن التآمر الكبير والمتعدد الأطراف والفوضى السياسية في الشارع العراقي أنعكس سلباً على المحاكمات فيها.

– فالصراع السياسي الذي عمً العراق.. آنذاك أدى الى استخدام أسلوب سياسي في المناقشات مع بعض المتهمين.. وبعض الشهود مما يفسر اهتزاز موضوعية بعض جلسات المحاكمة!!.

ـ لقد كانت جلسات هذه المحكمة علنية ومباشرة.. وتنقل عبر شاشات التلفزيون مباشرة.. فكان من الممكن أن تكون مدرسة للتوعية السياسية والتربية الديمقراطية والالتزام بالأنظمة واحترام القوانين وأسلوب الحوار والمناقشة.

– أن كل ذلك جعل من المحكمة العسكرية العليا الخاصة أشهر محاكمات العصر الحديث.

ـ بقيً أن نقول إن محكمة المهداوي كانت من بين أعدل محكمة عرفها العراق منذ تأسيسه حتى اليوم.. في محاكمة السياسيين المناوئين للحكم.. ففي العهد الملكي كان الإعدام للخصوم السياسيين الحقيقيين قائماً.

المحاكم.. والسياسيين في العراق

ـ ان المحاكم العراقية في العهد الملكي.. حكمت على أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي بالإعدام.. ونفذ حكم الإعدام بهم.. وجريمتهم لم تكن القتل.. بل لأنهم شيوعيون فقط!!

ـ كما إن محاكم العهد الملكي حكمت على قادة حركة رشيد عالي الكيلاني في مايس 1941 بالإعدام.. ونفذ حكم الإعدام بهم.. وعلقت جثثهم في باب وزارة الدفاع.

ـ كما حكمت المحاكم العراقية على 5000 موظف بتهمة تأييد حركة رشيد عالي الكيلاني العام 1941.. بالحبس والفصل من وظائفهم لمدة خمس سنوات.

ـ أما في عهد البعث الأول 1963.. فلا محاكم بل بيان أعلن من الإذاعة كان كافياً لسجن وتعذيب حتى الموت لمئات الأبرياء.. فالبيان رقم 13 الذي صدر يوم الانقلاب 8 شباط 1968 يعلن تنفيذ الإبادة بالشيوعيين.

ـ فمن يتهم بأنه شيوعي أو قاسمي أو صفق لقاسم في يوم من الأيام!! كان الاعتقال والسجن والتعذيب حتى الموت بلا محاكم!!

ـ أما في عهد عبد السلام عارف.. فكان الكردي يعتقل ليس لأنه متمرداً.. بل لأنه كردي فقط.. ويبقى معتقلاً الى ما شاء الله.

ـ أما المتهمون بالشيوعية وكانوا سجناء في عهد قاسم.. استمروا في السجن.. حتى من محكوميتهم في عهد البعث الأول أو عهد عبد السلام عارف.

– فقد بقوا معتقلين الى أن يعلنوا براءتهم من الحزب الشيوعي تحريرياً في الصحف.

ـ أما في عهد (البكر ـ صدام).. فلا معارضة.. ومن يتهم بمعارضة النظام.. يباد هو وعائلته.. ويحاسب كل أقرباؤه الى الدرجة الثالثة.

المهداوي.. وانقلاب 8 شباط 1963

– يقول مناضل نجل فاضل عباس المهداوي: في صباح يوم 8 شباط 1963.. وبعد استيقاظي من النوم فاجأتني والدتي بالقول إن انقلابا قد حدث.. فذهبت الى غرفة والدي فرأيته يرتدي ملابسه العسكرية والمذياع يتلو بيانات الانقلابين التي أشاعت مقتل الزعيم.. مما أثار قلق والدي فأتصل هاتفيا بدار الزعيم فأعلموه بأن خبر مقتله عار عن الصحة.. وانه غادر المنزل.

المهداوي.. والحزب الديمقراطي الكردستاني

– يقول مناضل المهداوي في صبيحة يوم 8 شباط 1963 رنً جرس هاتفنا فرفع والدي السماعة.. وكان على الخط الآخر احد مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني يعرض عليه إجلائه مع عائلتنا الى منطقة كردستان.. إلا إن والدي شكره.. وقال له انه سيلتحق بوزارة الدفاع لمقاومة الانقلاب مع الزعيم.

– يبدو إن القيادة الكردية كانت قد قدرت موقف والدي المعارض للطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع القضية الكردية وشنها الحرب على الأكراد.. فقد كان يرى إن مصلحة البلد تقتضي وقف العمليات العسكرية ضدهم وإتباع أسلوب التفاوض للوصول الى حل سلمي وعادل لتلك القضية.

الالتحاق بالزعيم

– يضيف مناضل المهداوي قائلاُ: بعد ذلك حضر الى دارنا الرئيس (النقيب) غازي الجبوري مع شخص آخر.. وكانا يرتديان الملابس العسكرية لاصطحاب والدي الى وزارة الدفاع.

– وقبل أن يخرج قبلنا فرداً.. فرداً ليقول لنا عند باب الدار: هؤلاء الانقلابين عملاء للإنكليز والاستعمار.. وإذا ما قتلت افتخروا بي.

– بعد خروج والدي اتصلت والدتي هاتفيا بمنزل المرحوم جلال الأوقاتي.. قائد القوة الجوية انذاك.. للاستفسار عن وضعهم فأبلغت بأنه قد اغتيل قرب داره.

إبلاغ الزعيم باستشهاد الأوقاتي

ـ فترة قصيرة اتصل بنا والدي عن طريق الهاتف للاطمئنان علينا.. فأخبرته والدتي باستشهاد جلال الأوقاتي فأبلغ بدوره الزعيم بذلك.

محاولة اغتيال المهداوي:

ـ شكل انقلابيو 8 شباط 1963 زمراً لاغتيال الضباط الشيوعيين المقربين من الزعيم عبد الكريم قاسم.. وكانت احد هذه الزمر مهمتها قتل الزعيم فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية.. يسكن في منطقة الكرادة الشرقية.. دليلها حينذاك طارق عزيز.. يرافق المجموعة التي تضم صلاح مكي وحسن غافل ومهدي نجم وحسن علي.. متوجهاً بهم الى دار الزعيم فاضل عباس المهداوي.

ـ يقول مناضل المهداوي: لربما رأى طارق عزيز ومجموعته خروج والدي بصحبة مسلحين من الدار فلم يجرؤا على فعل شيء للتصدي لوالدي.

اخلاص.. حتى اللحظات الأخيرة:

– المهداوي قاتل حتى اللحظات الأخيرة مع رفيقه عبد الكريم قاسم حيث التحق به في مقر الوزارة.. بعدما كان خارجها إثناء وقوع الانقلاب.. ولم ينسحب إثناء الليل.. مثلما فعل العديد من الضباط بعد أن طلب منهم قاسم ذلك.. بل ثبت بإصرار الى أن قتل دون محاكمة.. على يد الانقلابين من أعدائه الذين أطلقوا عليه أسوأ النعوت.

ـ المهداوي الذي تذلل له المشير عبد السلام عارف.. وتملق له أحمد حسن البكر.. وقد أصبحا من بعده رؤساء لجمهورية العراق.. لم يتذلل لهما حينما كان أسيراً بين أيديهما.. فكان تصرفهما معه يدل على منتهى العقوق.

إعدامه

– يقول القيادي البعثي ووزير خارجية انقلاب 8 شباط 1963 طالب شبيب: يشهد كل الشهود في رسائل ومذكرات منشورة داخل وخارج العراق إن المهداوي وقف في 8 شباط داخل وزارة الدفاع ضد الاستسلام.

– وبأنه عندما اتصل به ممثلو الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد طالبين إليه مرافقتهم الى كردستان للخلاص بنفسه وبعائلته.. قال لزوجته لن أهرب ولن يقول أحد عني جبان.

– ما أن أعلن انقلاب صبيحة 8 شباط 1963 حتى التحق فاضل عباس المهداوي بوزارة الدفاع.. بعد أن اتصل بالزعيم عبد الكريم قاسم واستلم توجيهاته.

– تلقى المهداوي رصاص الانقلابين وهو يهتف بحياة الشعب.. أما شهادة طالب شبيب (عضو القيادة القطرية لحزب البعث وعضو مجلس قيادة الثورة “الانقلاب” ووزير خارجية الانقلاب) فيذكر في شهادته المنشورة في كتاب (من حوار المفاهيم الى حوار الدم ـ مراجعات في ذاكرة طالب شبيب).

– “اقتيد عبد الكريم قاسم ورفاقه الى غرفة الموسيقى الشرقية.. حيث وقف قاسم والى جانبه كنعان وطه والمهداوي.. ووقفنا نحن بمواجهتهم: علي صالح السعدي وحازم جواد وأنا.. طالب شبيب.. وعبد الستار عبد اللطيف واحمد حسن البكر وعبد السلام عارف وعبد الستار الدوري وصالح مهدي عماش.. ولا أتذكر وجود محسن الشيخ راضي وهاني الفكيكي وكريم شنتاف”.

– جرى بيننا حديث غير منتظم سادته حالة من التوتر.. ولم يكن هناك شيء يمكن تسميته بمحاكمة.. وكل كلام قيل أو يقال عن إنشاء هيئة حاكمتهم إنما هو نوع من (التسفيط والتخيل)!!.

– وأضاف الشبيب قائلاً: “حاول عبد السلام عارف أن ينتزع اعترافاً من عبد الكريم قاسم بأنه (أي عبد السلام) هو الذي كتب البيان الأول لثورة 14 تموز ..1958 لكن الزعيم لم يمنحه هذا الوسام الذي لا يستحقه”.

– (ويجدر بالذكر إن العقيد الركن عبد السلام عارف أفاد العام 1959 أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة قائلاً: “أن خطة الثورة من وضع زعيمنا عبد الكريم قاسم.. وانه قائد الثورة ومخططها”.

– يضيف طالب شبيب قائلاً: “الحقيقة انه في البداية جرت مشادة كلامية بين علي صالح السعدي وفاضل عباس المهداوي.. حيث قال السعدي للمهداوي: (ولك إنت اشسويت بالبلد)..

فزجره المهداوي قائلاً: “اطلع.. آني ما أتكلم معاك”.. لكن السعدي رد عليه بكلمات غير لائقة !! نظر إليه المهداوي.. وقال لن أرد عليك.!!

مصير الجثمان

– يواصل مناضل روايته: “بعد انقلاب 8 شباط طالبنا بتسليمنا جثة والدي فلم تستجيب لنا السلطات.. ولم يعلمونا عن مصير جثته.. إلا انه بعد سقوط النظام العام 2003 شاهدنا تقريراً تلفزيونياً مصوراً يفيد بوجود قبور للزعيم ووالدي ووصفي طاهر وطه الشيخ احمد وعبد الكريم الجدة.

– وبعد التحري علمنا بأن السلطة قامت بعد إعدام الزعيم ووالدي وبقية الضباط المذكورين برمي جثثهم في مزرعة سامي الاورفلي قرب طريق بغداد ـ بعقوبة القديم.

– فقام أهالي المنطقة من وجهاء عشيرة الباوي بدفنهم وبناء قبور لهم.

– وعندما علمت السلطة بذلك قامت بإخراج جثة الزعيم ورميها في النهر.. إلا إن عشيرة الباوية حافظت على المقبرة.

– وبعد سقوط النظام العام 2003 قاموا ببناء قبورهم وقبل عدة أشهر.. راجعنا “(أنا ونضال وهند ابنتا الشهيد وصفي طاهر) وزارة حقوق الإنسان.. وأعلمناها عن وجود المقبرة وطلبنا الكشف عنها والتحقق عن عائدية الرفات وإيلاء الاهتمام اللازم كونها أول مقبرة جماعية في تاريخ العراق الحديث.

– وطلبنا نقل رفات شهداء ثورة 14 تموز الى مقبرة تليق بمكانتهم.. فقامت الوزارة بتكليف فريق من الوزارة لاستطلاع المقبرة.. واصطحبناهم الى موقعها وبعد الكشف عليها أعلمونا بأنهم سيتصلون بنا لاحقا لإجراء عملية الحفر.. واخذ عينات من رفات الشهداء لإجراء فحص الحامض النووي إلا انه لم يتصل بنا أي احد من الوزارة لحد الآن.”

نزاهته

ـ كان المهداوي ضابطاً نزيهاً حتى النخاع.. وتضمنت اضبارته الشخصية في إدارة الضباط بوزارة الدفاع.. وإضبارته التقاعدية.. كل ما يشير الى نظافة سلوكه الوظيفي.. والشخصي.. وتفانيه في مسلك الجندية.. والتوصيات المرفقة من الآمرين.. والضباط المسؤولين تدلل على هذه السيرة.

ـ تدرج في المسلك العسكري بشكل طبيعي.. وعندما قامت ثورة 14 تموز العام 1958 كان برتبة عقيد.. وأصبح رئيساً لأخطر محكمة أقامتها ثورة 14 تموز 1958.

ـ تم الاتصال به من قبل البعض عارضين عليه مبالغ خيالية وبالطريقة التي يريدها ويرغبها مقابل إصدار أحكام مخففة لبعض السياسيين المخضرمين في العراق.. الذين تجري محاكمتهم أمامه.. ولم تصدر ضدهم أحكام نهائية بعد.. حينها ضحك المهداوي.. ولم يقل أكثر من مقولة الإمام علي (ع) (إليك عنّي يا دنيا.. غرِّي غيري).

ـ في 6 كانون الثاني أي قبل انقلاب 8 شباط 1963.. جرى توزيع أراضي للضباط الكبار بالقرعة.. فحصل المهداوي على قطعة أرض في منطقة زيونة ببغداد.. وبناها أهله فيما بعد وسكنوا بها.

ـ ظلً نزيهاً حتى النخاع.. لا يملك أي عقاراً سوى قطعة الأرض أعلاه. ولا أراضي.. وبعد ثورة 14 تموز سكن وأخاه وعائلتيهما في بيت أبيهما في الكرادة الشرقية ببغداد.

ـ لم يكن له أي فائض مالي من راتبه.. ولا حساب في مصرف لا له.. ولا لزوجته.. ولا لأبنائه.. لا في العراق .. ولا في خارج العراق.

ـ بقيً نظيفاً.. ولم يشأ أن يخالف قناعاته وضميره.

ـــــــــــــــــــــــــ

(تفصيلات عن إعدام العقيد فاضل عباس المهداوي.. راجع: كتابي (رجالات العراق الجمهوري من عبد الكريم قاسم الى صدام حسين. (بيروت 1017) الحلقة الخاصة بعبد الكريم قاسم المنشورة)

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *